الملائکه فی التراث الاسلامی

اشارة

رقم الإیداع فی دار الکتب والوثائق ببغداد لسنة 2011 – 2192

الرقم الدولی: 9789933489076

النصراوی، حسین،  -    م.

الملائکة فی التراث الإسلامی: دراسة تحلیلیة / تألیف: حسین النصراوی؛ [تقدیم اللجنة العلمیة السید محمد علی الحلو]. - کربلاء: العتبة الحسینیة المقدسة، قسم الشؤون الفکریة والثقافیة 1433ق. = 2012م.

ص160. - (قسم الشؤون الفکریة والثقافیة؛ 68)

المصادر: ص 151 - 156؛ وکذلک فی الحاشیة.

1 . الملائکة – دراسة وتحقیق. 2. الملائکة (إسلام) – من الناحیة القرآنیة. 3 . الملائکة – أحادیث شیعة. 4. الملائکة – شبهات وردود. ألف. الحلو، محمد علی، 1957 -    م، مقدم. ب. العنوان.

2012م  8 م  6 ن / 226 BP

تمت الفهرسة قبل النشر فی مکتبة العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

الملائکة فی التراث الإسلامی

دراسة تحلیلیة

تألیف

الشیخ حسین النصراوی

إصدار

 قسم الشؤون الفکریة والثقافیة

 فی العتبة الحسینیة المقدسة

ص: 4

جمیع الحقوق محفوظة

للعتبة الحسینیة المقدسة

الطبعة الأولی

1433ه_ - 2012م

العراق: کربلاء المقدسة - العتبة الحسینیة المقدسة

قسم الشؤون الفکریة والثقافیة - هاتف: 326499

www.imamhussain-lib.com

البرید الالکترونی:  info@imamhussain-lib.com

ص: 5

الإهداء

إلی الملک العظیم المقرّب المهیمن علی الأرواح بإذن الله.

إلی الذی الدنیا بین یدیه کالقصعة بین یدی أحدنا یتناول منها ما یشاء.

إلی الذی یتصفحنا فی کل یوم خمس مرات، ویزورنا کراتٍ وکرَّات تنبیهاً لنا عن الغفلات.

إلی الذی یتوفی الجنین فی بطن أمه فتجیبه الروح بإذن ربه.

إلی سیدی ملک الموت أهدی هذا الجهد المتواضع سائلاً إیاه أن یخفف علیّ السکرات ویحفَّ روحی بالرحمات کرامةً لمحمد وآله الطاهرین صلوات الله علیهم أجمعین.

ص: 6

مقدمة اللجنة العلمیة

لم تحظَ مفردة من الأهمیة ما حظیت به مفردات الغیب، البرزخ، القیامة، الجنة، النار، الملائکة، ولعل مفردة الملائکة شکّلت حضوراً مهماً فی الآیات القرآنیة، وحظیت باهتمام أوسع فی الأحادیث النبویة، الا أنه لم تسجل الدراسات الإسلامیة ذلک الحضور لهذه المفردة بالغة الأهمیة فی تشکیلة العقل الإسلامی، وفی ترتیبة الثقافة الدینیة سوی ما حظیت به هذه المفردة من الاهتمام فی بحوثٍ غیر مستقلة لدی علماء المسلمین، ولعل الجهد التفسیری نال من هذا المفهوم قسطاً جیداً لکنه علی سبیل الاستطراد ولیس الاستقلال، وهو ما جعل البحث فی مفردة الملائکة یشکّل هاجساً لدی الکثیر فی البحث عن أسسها وبأبعادها، وبقیت تتراوح دراسات مختصرة __ استطرادیة فی تناول هذا البحث.. والظاهر ان اعتماد بعض الباحثین علی الاحادیة الحدیثیة حالت دون

ص: 7

الانفتاح علی مثل هذه المعلومة المهمة، فی حین بقی تراث أهل البیت علیهم السلام بعیداً عن اهتمامات بعضهم مما أدی إلی إبعاد مثل هذه الدراسة عن الواقعیة العلمیة والموضوعیة البحثیة، مما حدا بهذه الدراسات أن تبتعد عن الواقعیة بسبب التزامها منهج الأحادیة الحدیثیة، فی حین أعطت أحادیث أئمة أهل البیت علیهم السلام أهمیة واسعة فی التعرف علی المفردات الغیبیة سلطت الأضواء علی الکثیر من هذه المفاهیم مما تنسجم والحاجة إلی ذلک، وبهذا فکان الاعتماد علی هذه الدراسة الحدیثیة أن أعطی لأیة دراسة __ خصوصاً __ الدراسات الغیبیة اهتماماً واسعاً، وموضوعیة خاصة، وهذا ما جاءت به دراسة الشیخ حسین النصراوی الموسومة «الملائکة فی التراث الاسلامی __ دراسة تحلیلیة» فجاءت دراسة علمیة شیقة تضیف للمکتبة الإسلامیة ما افتقدته من هذه الدراسات، ولتشکّل منعطفاً علمیاً یتناسب وحاجة الیوم للکشف عن کثیر من الاهتمامات التی أولتها تراثیات أهل البیت علیهم السلام وعززها القرآن الکریم..

عن اللجنة العلمیة

السید محمد علی الحلو

ص: 8

بسم الله الرحمن الرحیم

المقدمة

الحمد لله رب العالمین، والصلاة والسلام علی سیدنا محمد وآله الطیبین الطاهرین.

عادةً ما یتجه دارسو التراث الإسلامی إلی المواضیع التاریخیة، وما یتفرّع عنها من قضایا عقائدیة أساسیة کقضیة النبوة وقضیة الإمامة، وقلّما یهتمون بغیرها، والحال أنّ التراث الإسلامی زاخر بالکثیر من المواضیع والقضایا الجدیرة بالاهتمام والدراسة والبحث.

وقد لاحظت من خلال تتبعی القلیل أنّ قضیة الغیب - وهی قضیة مهمة فی الفکر الإسلامی ولها جوانب متعددة - لم تلقَ اهتماماً کافیاً، ولم تُبحث بالشکل المطلوب فی بعض جوانبها، مع العلم أنه یوجد فی تراثنا الحدیثی المئات - إن لم نقل الآلاف - من الروایات التی تتحدث عن مفردات الغیب کالجن والملائکة والعرش والکرسی واللوح

ص: 9

والقلم والحجب والسماوات والجنة والنار والأحلام والروح وغیرها.

ولقلة الاهتمام بمثل هذه المواضیع کتابة وخطابة بتُّ مغرماً بالبحث فیها والاستقصاء عنها من خلال التراث الإسلامی الغنی.

علی أنّ بعض هذه المواضیع قد بُحثت ونوقِشت بشکل مفصّل وجید، إلا أنّ بعضها الآخر لم یُعَرْ کثیر اهتمام، ولم یُبحث ویُناقش بشکل علمی مفصّل فی ضمن دراسات مستقلة - بحسب اطلاعی -، ومن جملة القضایا الغیبیة التی یقلّ الاهتمام بدراستها وبحثها قضیة الملائکة.

تلک المخلوقات الخفیة العجیبة فی خلقها وأطوارها وعالمها، والتی خلقها الله سبحانه، وکلفها بأعمال ومهام معینة، وحدثنا عنها وعن حالاتها من خلال القرآن الکریم والروایات الشریفة، وسیأتی الکلام عن أهمیة هذه المخلوقات، ولماذا نتحدث عنها بحول الله تعالی.

ومن خلال سعیی فی بحث هذا الموضوع صادفتنی بعض العوائق أهمها عدم توفّر دراسات علمیة منهجیة حوله بین یدی إلا کتاباً واحداً بعنوان (الملائکة)، وهو عبارة عن دراسة لما ورد فی کتاب بحار الأنوار عن الملائکة، ولیس بحثاً عاماً، وقد بُلّغت بوجود کتابین حول هذا الموضوع إلا أنی لم أحصل علیهما، وقد أسلفت أنّ الأبحاث فی مثل هذه المواضیع قلیلة، ولکنّ هذا هو الذی شدّنی أکثر ودفعنی للخوض فی مثل هذا الموضوع لعلّی أوصل شیئاً جدیداً ومفیداً للناس، وفی الوقت نفسه

ص: 10

أؤدی خدمة بسیطة لدینی الحنیف أرجو بها ثواب الله تعالی.

ولهذا فإنی اعتمدت علی المصادر الحدیثیة والتفسیریة بالدرجة الأولی، مع ملاحظة تعلیقات المحدثین والمفسرین، وبذلتُ جهداً فی المقارنة والموازنة واستخلاص النتیجة النهائیة والرأی السلیم، إذ کما هو معلوم أنّ مثل هؤلاء الأعلام لا یستقصون عادةً کل جوانب القضیة، وإنما یکتفون بتعلیق بسیط أو إشارة مختصرة، لأنهم لیسوا بصدد دراسة متکاملة حول الموضوع، ومن هنا کان علیَّ أن أرتّب البحث وأجعل له منهجیة خاصة من غیر الاستعانة بباحث سبقنی، ومن ثَمّ أناقش وأحلل لألتقط بعدها النتیجة النهائیة.

وقد اعتمدت فی بحثی أیضاً علی بعض الکتب العقائدیة، والتی اکتفت فی الغالب بإشارات عابرة إلی الموضوع.

وکان العمود الفقری لبحثی والمصدر الأساس له هو کتاب بحار الأنوار للعلامة المجلسی قدس سره، وهو - لعَمری - بحارٌ بحق، إذ جمع فیه شتات الکتب والمصادر ونسَّقها ورتّبها بشکل یُوضح للباحث الطریق ویُجلّی له السبیل، ولقد زّین تلک المجامیع من الأحادیث بتعلیقاته القیمة وبیناته الجلیة المُفیدة.

کما استفدت من کتابی مجمع البیان وتفسیر الرازی کمصدرین أساسین فی التفسیر العام، ومن کتابی تفسیر البرهان والدر المنثور کمصدرین

ص: 11

أساسین فی التفسیر بالحدیث.

والدراسة مختصرة بحسب الطلب ولکنها جامعة إلی حدٍّ ما لأهم مفاصل الموضوع وجوانبه، وهی تنقسم إلی قسمین رئیسین:

القسم الأول: یبدأ من الفصل الأول وینتهی بالفصل الثالث، وهو یتحدث عن الملائکة بشکل عام.

القسم الثانی: یبدأ بالفصل الرابع وینتهی بالسادس، وهو یتحدث عن أقسام الملائکة وأصنافها کل صنف علی حدة، ویرکّز علی مهامها وأعمالها.

وقد رتبت هذه الدراسة علی فصول ومحاور بالشکل الآتی:

الفصل الأول: وینقسم إلی ثلاثة محاور:

أولها: المعنی اللغوی لکلمة الملائکة.

وثانیها: لماذا الحدیث عن الملائکة.

وثالثها: طبیعة الملائکة.

الفصل الثانی: وینقسم إلی ثلاثة محاور أیضاً، وهی:

أولاً: أشکال الملائکة.

ثانیاً: حالات الملائکة.

ثالثاً: کثرة الملائکة.

الفصل الثالث: وفیه محوران:

الأول: عصمة الملائکة.

ص: 12

والثانی: شبهات حول عصمة الملائکة.

الفصل الرابع: ویبدأ من هذا الفصل الحدیث عن أصناف الملائکة ومهامها، وفیه محوران أیضاً:

الأول: حملة العرش.

الثانی: الحافون حول العرش.

الفصل الخامس: والحدیث یدور فیه عن أکابر الملائکة وفیه ستة محاور:

الأول: أکابر الملائکة.

الثانی: إسرافیل علیه السلام.

الثالث: جبرائیل علیه السلام.

الرابع: میکائیل علیه السلام.

الخامس: عزرائیل علیه السلام.

السادس: الروح علیه السلام.

الفصل السادس: وفیه خمسة محاور:

أولها: الملائکة الموکلون بالناس.

وثانیها: ملکا القبر.

وثالثها: ملائکة الجنة والنار.

ورابعها: الملائکة الذین یحفظون السماء الدنیا.

وخامسها: الملائکة المدبرة لشؤون العالم.

ص: 13

تمهید

الغیب والشهود

من الواضح أنه یوجد لدینا فی الخارج عالمان:

1 - عالم الشهود.

2 - عالم الغیب.

وعالم الشهود هو کلُّ شیء ندرکه بحواسنا الخمس، فکلُّ شیء نشمُّه أو نتذوّقهُ أو نراهُ أو نسمعهُ أو نلمسهُ هو من عالم الشهود، وکلُّ ما لا یخضع لهذه الحواس ولکنه موجودٌ فعلاً فهو من عالم الغیب.

والموجودات فی عالم الشهود تثبتُ بالوجدان أی من خلال إدراکها بإحدی الحواس، فهی لا تحتاج إلی برهان ودلیل بل هی بدیهیة،

ص: 14

فی حین أنَّ الموجودات فی عالم الغیب لا تثبت إلا من خلال الدلیل والبرهان، لأننا لا نستطیع أن نحسّها بإحدی الحواس الخمس.

وعالمُ الغیب أوسع من عالم الشهود وأعظم من دون شکّ، لأنَّ عالم الشهود معروف ومحدود نسبیاً - وإنْ کان هناک الکثیر من الحقائق التی لم یتوصّل إلیها العلم فی هذا العالم - فی حین أنَّ عالم الغیب غیر محدود وغیر معروف (إلا بمقدار بسیط، من خلال ما وصلنا عنه من طریق الوحی).

والغیب قسمان غیب مادی، وغیب معنوی:

الغیب المادی: هو کل ما غاب عن الحواس لسببٍ ما، إما لبعده کبعض الکواکب البعیدة، أو لقربه، ککرویة الأرض، فإنّا لشدة قربنا منها لا نراها بشکلها الکروی، أو لعدم حضوره، کجریمة تحصل فی مکانٍ ما من العالم، فإنها غیبٌ بالنسبة لنا لأننا لم نحضرها، ومن ذلک قوله تعالی - بعد أن ذکرَ قصة زکریا (علی نبینا وآله وعلیه الصلاة والسلام) وکلام الملائکة مع مریم علیها السلام -:

(ذَلِکَ مِنْ أَنبَاء الْغَیْبِ نُوحِیهِ إِلَیکَ)(1).

أی إنه کان غائباً عن حواسکم لأنکم لم تشهدوه.


1- سورة آل عمران: الآیة 44.

ص: 15

والغیب المعنوی: هو کل ما غاب عن الحواس ولا یمکنها إدراکه، لأنّ له مقاییس وموازین أخری تختلف عن عالم المادة.

ونحنُ حینما نطلق کلمة الغیب فإننا نقصد المعنی الثانی من دون شک(1).

والغیب عالم واسع لا یعلم مداه وحقیقته إلا الله تعالی، ونحن لا نستطیع التعرف علیه إلا من خلال الوحی، لأنه لا یمکن الوصول إلیه بالوسائل التجریبیة حیث إنّه خارجٌ عن سیطرتها وتحکّمها.

ولذا علینا أن نسلّم بما جاءنا من ناحیة الوحی من دون اعتراض، إذ کثیرٌ من جوانب الغیب لا نستطیع أن ندرکها أو نفهمها تماماً وذلک لقصور عقولنا، ولأننا نقیس کلّ شیء بعالم المادة، وهذا هو الخطأ الکبیر الذی یقع فیه الکثیر من الناس، إذ مقاییس عالم الغیب ومعاییره تختلف عن مقاییس عالم المادة ومعاییره، فمن الخطأ قیاس أحدهما علی الآخر.

وأول صفة للمؤمنین هی الإیمان بالغیب، قال تعالی:

(الم * ذَلِکَ الْکِتَابُ لاَ رَیْبَ فِیهِ هُدًی لِّلْمُتَّقِینَ * الَّذِینَ یُؤْمِنُونَ بِالْغَیْبِ)(2)


1- إذ بتطور العلم یمکن الوصول إلی الغیب المادی بخلاف الغیب المعنوی، فإنه لا یمکن الوصول إلیه مهما تطور العلم.
2- سورة البقرة: الآیات 1 – 3.

ص: 16

والله سبحانه هو أکبر غیب وأعظم غیب، فهو غیب الغیوب الذی لا یعلم ما هو إلا هو، لأن عالم الغیب مراتب، وأعلی مرتبة هی: (الله تبارک وتعالی).

ومن أعظم عوالم الغیب التی أوجدها الله سبحانه وتعالی، عالم واسع رحب کبیر جداً، تعیش فیه مخلوقات رفیعة الشأن عالیة المکانة، تسمی الملائکة.

ص: 17

الفصل الأول

اشارة

* المعنی اللغوی لکلمة الملائکة

* لماذا الحدیث عن الملائکة

* طبیعة الملائکة

ص: 18

ص: 19

المحور الأول: المعنی اللغوی لکلمة (الملائکة)

جاء فی تفسیر مجمع البیان: (والملائکة جمع ملک، واختلف فی اشتقاقه، فذهب أکثر العلماء إلی أنه من الآلوکة وهی الرسالة، وقال الخلیل: الآلوک: الرسالة وهی المألَکة والمألُکة علی مفْعلة، وقال غیره: إنما سُمِّیت الرسالة آلوکاً، لأنّها تُولک فی الفم أی تُمضَغُ، والفرس تألکُ اللجام وتعلک)(1).

وفی لسان العرب: (الألوک: الرسالة، وهی المألُکة علی مفْعُلة،


1- مجمع البیان: مج1 ج1/159.

ص: 20

سمیت ألوکاً لأنه یؤلک فی الفم، مشتق من قول العرب: الفرس یألُکُ اللُّجم، والمعروف یلوک أو یَعْلُک، أی: یمضغ)(1).

وفی المنجد: (ألک: ألْکاً وأُلوکة وأُلوکاً ومألکاً، وآلکَ إلاکةً: أبلغ الألوکة)(2).

وفی مجمع البحرین: (الألوک: الرسالة، وکذلک المألُک والألوکة، بضم اللام فیهما)(3).

إذن فیمکننا أن نخلص من کل ذلک إلی أنّ الاشتقاق یتطابق تماماً مع عمل الملائکة التی هی رسل الله تعالی، المکلفة بأداء أعمال معینة فی مواقع مختلفة، یقول سبحانه وتعالی:

(الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلَائِکَةِ رُسُلًا)(4)


1- لسان العرب: 10/392 باب (ألک).
2- المنجد فی اللغة: 16.
3- مجمع البحرین: 5/256.
4- سورة فاطر: الآیة 1.

ص: 21

المحور الثانی: لماذا الحدیث عن الملائکة؟!

لا شکّ أنّ الآیات الکریمة والروایات الشریفة قد تحدثت کثیراً عن هذه المخلوقات، وهنا قد یسأل سائل:

لماذا یُحدِّثنا الوحی بهذا الشکل الکبیر عن الملائکة؟ وماذا نستفید نحن من حدیث کهذا؟

الجواب: إنّ الحدیث عن الملائکة هو:

أولاً: من أجل الإیمان بوجودها، قال تعالی:

(آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَیْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ کُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِکَتِهِ وَکُتُبِهِ وَرُسُلِهِ)(1).


1- سورة البقرة: الآیة 285.

ص: 22

فالإیمان بالملائکة إذن مطلوب من الإنسان المسلم.

وثانیاً: الحدیث عن عالم الملائکة واتساعه وعظمة هذه المخلوقات هو دافع للإنسان حتی یتعرّف ویدرک مدی قدرة الله وعظمته، ویتضح هذا من خلال ما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام حینما سُئِلَ عن قدرة الله عز وجل فقام خطیباً فحمد الله وأثنی علیه ثمّ قال:

«إن لله (تبارک وتعالی) ملائکة لو أنّ ملکاً منهم هبط إلی الأرض ما وسعته لعظم خَلقه وکثرة أجنحته، ومنهم من لو کُلِّفت الجن و الإنس أن یصفوه ما وصفوه لبعد ما بین مفاصله وحُسْن ترکیب صورته، وکیفَ یُوصف مِنْ ملائکته مَنْ سبعمائة عام ما بین منکبیه وشحمة أذنیه، ومنهم مَنْ یسدُّ الأفق بجناحٍ من أجنحته دون عِظم بدنه، ومنهم مَن السماوات إلی حُجزته، ومنهم مَنْ قدمهُ علی غیر قرار فی جو الهواء الأسفل والأرضون إلی رکبته، ومنهم مَن لو أُلقی فی إبهامه جمیع المیاه لوسِعتها، ومنهم مَن لو أُلقیت السُّفن فی دموع عینیه لجرت دهرَ الداهرین، فتبارک الله أحسنُ الخالقین»(1).


1- تفسیر نور الثقلین: 6/129.

ص: 23

وثالثاً: إنّ الله تعالی عدّهم جنوداً له، یقول تعالی:

 (وَأَنزَلَ جُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا)(1).

حیث إنه بهم یدیر شؤون مملکته ویدبرها، یقول تعالی:

(فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)(2).

ومن أجل کل هذا فنحنُ نتحدث عنهم والحدیث عنهم یهمنا.

وکلُّ ما تحدّث عنه القرآن والرسول صلی الله علیه وآله وسلم، وأهل البیت علیهم السلام هو مهم، علینا أن نأخذه بعین الاعتبار، والمفروض أن نقرأ وندرس هذا التراث، ونفهم تلک المعارف، إذ إنّ حدیث الرسول والأئمة علیهم السلام عن الملائکة أو عن العرش أو الکرسی أو ما شابه لم یکن بطراً أو للتسلیة أو لأنّ عندهم فراغاً فی الوقت، أبداً بل کل ما یتحدثون به من ورائه هدف وحکمة وغایة، کما ورد فی الزیارة الجامعة:

«کلامکم نور»(3).


1- سورة التوبة: الآیة 26.
2- سورة النازعات: الآیة 5.
3- مفاتیح الجنان: ص 883.

ص: 24

المحور الثالث: طبیعة الملائکة

الملائکة مخلوقات حیة عاقلة عالمة مطیعة لها حریة التصرف(1)، فعن أبی جعفر علیه السلام:

«إنّ الله خلق إسرافیل وجبرئیل ومیکائیل من تسبیحة واحدة، وجعل لهم السمع والبصر وجودة العقل وسرعة الفهم»(2).

وقد ورد فی تفسیر (من هدی القرآن): (الملائکة هی القوی العالمة


1- المعاد: 1/82 بتصرف.
2- تفسیر القمی: 2/206 – 207، وعنه تفسیر البرهان: 6/353 باختلاف یسیر.

ص: 25

الشاعرة المطیعة لله)(1). ومما یدل علی علمها ما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی إحدی خطبه:

«.. من ملائکة أسکنتهم سماواتک ورفعتهم عن أرضک، هم أعلم خلقک بک وأخوفهم لک..»(2).

والله تبارک وتعالی خلقهم من نور، فقد روی مسلم فی صحیحه عن عائشة عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال:

«خُلقت الملائکة من نور، وخُلِقَ الجانّ من مارج من نار وخُلِقَ آدم مما وصف لکم»(3).

ومن طرقنا روی عن الإمام الصادق علیه السلام أنه قال:

«إن الله عز وجلّ خلق الملائکة من نور»(4).

وحقیقة هذا النور لا یعلمها إلا الله تعالی، ولکنّ النور بشکل عام یعبر عن الهدی والخیر حتی إن الله سبحانه شبه نفسه بالنور، فقال:

(اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ)(5)


1- تفسیر من هدی القرآن: 11/17.
2- نهج البلاغة: 1/210 – 211.
3- صحیح مسلم: کتاب الزهد والرقائق: 5/495 – ح2996.
4- بحار الأنوار: 11/102 و 56/191.
5- سورة النور: الآیة 35.

ص: 26

وبما أنهم مخلوقون من نور، والنور مادة کالنار والتراب، فالملائکة عبارة عن أجسام مادیة ولیست مجردة کما زعم الفلاسفة، إلا أنّ مادتهم مادة لطیفة ولیست کثیفة، وإلی هذا القول ذهب أکثر المسلمین کما صرَّح بذلک الفخر الرازی(1)، بل ادعی علیه العلامة المجلسی قدس سره الإجماع، حیث قال: (أجمعت الإمامیة بل جمیع المسلمین إلا مَن شذّ منهم مِن المتفلسفین.. علی وجود الملائکة وأنهم أجسام لطیفة نورانیة..)(2).

وقال ابن أبی الحدید المعتزلی: (قال أصحابنا المتکلمون: إنّ الملائکة أجسام لطاف، ولیسوا من لحم ودم وعظام کما خُلِقَ البشر من هذه الأشیاء..)(3).

وذکر الفخر الرازی إلی جانب هذا القول أقوالاً أخری منها:

أولاً: (أنّ الملائکة هی الحقیقة فی هذه الکواکب الموصوفة بالإسعاد والإنحاس، فإنها بزعمهم - أی القائلین بهذا القول - أحیاء ناطقة، وأنّ المسعدات منها ملائکة الرحمة والمنحسات منها ملائکة العذاب)، ونسب هذا القول إلی طوائف من عبدة الأوثان.


1- تفسیر الرازی: 1/160، ونقله عنه فی بحار الأنوار: 56/205.
2- بحار الأنوار: 56/202 – 203.
3- شرح نهج البلاغة: 6/432.

ص: 27

ثانیاً: (قول معظم المجوس والثنویة، وهو أنّ هذا العالم مرکّب من أصلین أزلیین وهما النور والظلمة، وهما فی الحقیقة جوهران شفّافان مختاران قادران متضادا النفس والصورة مختلفا الفعل والتدبیر.. ثم إنّ جوهر النور لم یزل یولّد الأولیاء وهم الملائکة لا علی سبیل التناکح بل علی سبیل تولد الحکمة من الحکیم، والضوء من المضیء، وجوهر الظلمة لم یزل یولّد الأعداء وهم الشیاطین علی سبیل تولد السفه من السفیه..)(1).

وهذه الأقوال لا قیمة لها ولا دلیل علیها کما هو واضح، وأما قول الفلاسفة بتجرد الملائکة فهو ردٌّ لظاهر الآیات الکریمة والروایات المتواترة، التی تتحدث عن الملائکة علی أنها أجسام لا علی أنها رموز أو معانٍ أو قوی، قال العلامة المجلسی قدس سره: (والقول بتجرّدهم وتأویلهم بالعقول والنفوس الفلکیة والقوی والطبائع وتأویل الآیات المتضافرة والأخبار المتواترة تعویلاً علی شبهات واهیة واستبعادات وهمیة زیغٌ عن سبیل الهدی واتباع لأهل الجهل والعمی)(2).


1- تفسیر الرازی: مج1 ج2/160.
2- بحار الأنوار: 56/203.

ص: 28

ص: 29

الفصل الثانی

اشارة

* أشکال الملائکة

* حالات الملائکة

— هل الملائکة بنات الله؟!

— هل تنام الملائکة؟!

* کثرة الملائکة

ص: 30

ص: 31

المحور الأول: أشکال الملائکة

الشکل الأساس للملائکة شبیه بشکل الطیور، حیث إنهم یمتلکون أجنحة کما صرّح بذلک القرآن الکریم، حیث قال تعالی:

(الْحَمْدُ للهِ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ جَاعِلِ الْمَلائِکَةِ رُسُلاً أُولِی أَجْنِحَةٍ مَّثْنَی وَثُلاثَ وَرُبَاعَ یَزِیدُ فِی الْخَلْقِ مَا یَشَاء)(1).

إلا أننا لا ندرک حقیقة هذه الأجنحة وکنهها، ومم تتکون، وعلی کل حال فالملائکة لیست کلها تمتلک العدد نفسه من الأجنحة، فبعضها له


1- سورة فاطر: الآیة 1.

ص: 32

جناحان وبعضها ثلاثة، وبعضها أربعة، وبعضها أکثر من ذلک، فإنّ بعض الروایات ذکرت أن أحد الملائکة له ستة عشر ألف جناح(1)، وآخر له اثنا عشر ألف جناح(2)، وآخر له ستمائة جناح(3).

ولکن روی عن عبد الله بن طلحة رفعه عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«الملائکة علی ثلاثة أجزاء، جزء له جناحان، وجزء له ثلاثة أجنحة، وجزء له أربعة أجنحة»(4).

وهو یدل علی أنه لیس هناک من الملائکة من یمتلک أجنحة أکثر من أربعة.

ویمکن أن یُقال فی جوابه: إنّ هذا التقسیم محمول علی الأغلب، فلا ینافیه وجود ملائکة تمتلک أجنحة أکثر.

فهذا هو الشکل الأصلی للملائکة، ولکن بما أنّ هذه المخلوقات لیست من ذوات المادة الکثیفة، أی لیس لها أبعاد (طول وعرض وعمق) فهی قادرة علی التشکل بالأشکال المختلفة، والظهور بالصور المتنوعة


1- تفسیر نور الثقلین: 6/129، بحار الأنوار: 56/184.
2- تفسیر القرطبی: 14/280، بحار الأنوار: 56/259.
3- صحیح البخاری: کتاب بدء الخلق: مج3/1181 – ح3060.
4- الکافی: 8/272.

ص: 33

المتغایرة، قال الفخر الرازی فی حدیثه عن الملائکة: (أجسام لطیفة هوائیة، تقدر علی التشکل بأشکال مختلفة، مسکنها السماوات، وهو قول أکثر المسلمین)(1)، وعن العلامة المجلسی قدس سره أنهم: (قادرون علی التشکل بالأشکال المختلفة، وأنه سبحانه یورد علیهم بقدرته ما یشاء من الأشکال والصور علی حسب الحکم والمصالح، ولهم حرکات صعوداً وهبوطاً..)(2).

(وقال المحقق الدوانی فی شرح العقائد: الملائکة أجسام لطیفة قادرة علی التشکلات المختلفة، وقال شارح المقاصد: ظاهر الکتاب والسنة وهو قول أکثر الأمة أنّ الملائکة أجسام لطیفة نورانیة، قادرة علی التشکلات بأشکال مختلفة، کاملة فی العلم والقدرة..)(3).

ومن الأشکال التی ذُکر أن الملائکة تشکّلت بها شکل الإنسان، حیث ورد أنّ جبرئیل کان یأتی النبی صلی الله علیه وآله وسلم بصورة دحیة الکلبی(4)، وقال ابن أبی الحدید: (وفی الأحادیث الصحیحة أنَّ جبرئیل کان یأتی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم علی صورة دحیة


1- تفسیر الرازی: مج1 ج2/160.
2- بحار الأنوار: 56/203.
3- م. س.
4- مسند أحمد: ج6/74، وبحار الأنوار: 14/343 و 18/267.

ص: 34

الکلبی، وأنه کان یوم بدر علی فرس اسمه حیزوم، وأنه سُمِعَ ذلک الیوم صوته: أقْدِم حیزوم)(1).

وقد أمدّ الله تعالی المسلمین بالملائکة یوم بدر، یقول الله تعالی:

(إِذْ تَسْتَغِیثُونَ رَبَّکُمْ فَاسْتَجَابَ لَکُمْ أَنِّی مُمِدُّکُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِکَةِ مُرْدِفِینَ * وَمَا جَعَلَهُ اللّهُ إِلاَّ بُشْرَی وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُکُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ عَزِیزٌ حَکِیمٌ)(2).

وورد عن سهیل بن عمرو أنه قال: «لقد رأیت یوم بدر رجالاً بیضاً علی خیلٍ بلقٍ بین السماء والأرض مُعْلِمین، یُقْبِلون(3) ویأسرون)(4). وعن أبی جعفر علیه السلام:

«کانت علی الملائکة العمایم البیض المرسلة یوم بدر»(5).

وفی البخاری عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أنه قال یوم بدر:


1- شرح نهج البلاغة: 1/95.
2- سورة الأنفال: الآیتان 9 – 10.
3- هکذا وردت فی المصدر ولعل الصحیح: یقتلون.
4- شرح نهج البلاغة: 14/159.
5- الکافی: 6/461.

ص: 35

«هذا جبریل آخذٌ برأسِ فرسه، علیه أداة الحرب»(1).

ویظهر مما نُقل عن سهیل بن عمرو أنّ الملائکة قاتلت یوم بدر، ولم یقتصر دورها علی التشجیع والتبشیر فقط، وقیل: (ما قاتلت ولکن شجّعت وکثّرت سواد المسلمین وبشّرت بالنصر)(2)، حکی هذا القول عن الجبائی(3).

ولکن الذی یترجح فی النفس - والله العالم -  أنها قاتلت، فإضافة إلی ما تقدم من حدیث ابن عمرو، روی عن ابن عباس:

(أنّ الملائکة قاتلت یوم بدر وقتلت)(4).

ونقل عنه أنه قال أیضاً:

(لم تقاتل الملائکة إلا یوم بدر)(5).

وروی عن ابن مسعود: (أنه سأله أبو جهل، من أین کان یأتینا الضرب ولا نری الشخص؟ قال: من قِبل الملائکة)(6).


1- صحیح البخاری: کتاب المغازی، باب شهود الملائکة بدراً: مج4/1468 – ح3773.
2- مجمع البیان: مج3 ج9/114.
3- م. س.
4- م.س: ص 115.
5- شرح نهج البلاغة: 14/161.
6- مجمع البیان: 3/114 – 115.

ص: 36

وعن مجاهد: (إنما أمدهم بألف مقاتل من الملائکة)(1)، إضافة إلی روایات تاریخیة کثیرة نقلها الواقدی، حکاها عنه ابن أبی الحدید المعتزلی، فمن أراد فلیراجع(2).

ومن الموارد التی تمثلت فیها الملائکة فی صورة الإنسان أیضاً حینما قدموا إلی إبراهیم (علیه وعلی نبینا وآله الصلاة والسلام)، والقرآن الکریم یروی لنا القصة بقوله:

(هَلْ أَتَاکَ حَدِیثُ ضَیْفِ إِبْرَاهِیمَ الْمُکْرَمِینَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَیْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُّنکَرُونَ * فَرَاغَ إِلَی أَهْلِهِ فَجَاء بِعِجْلٍ سَمِینٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَیْهِمْ قَالَ أَلا تَأْکُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِیفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِیمٍ)(3).

وهؤلاء کانوا ذاهبین إلی قریة لوط علیه السلام لإهلاک قومه، لأنّ إبراهیم علیه السلام لّما سألهم:

(فَمَا خَطْبُکُمْ أَیُّهَا الْمُرْسَلُونَ * قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَی قَوْمٍ مُّجْرِمِینَ * لِنُرْسِلَ عَلَیْهِمْ حِجَارَةً مِّن طِینٍ)(4).


1- م. س: ص 114.
2- شرح نهج البلاغة: 14/157 – 163.
3- سورة الذاریات: الآیات 24 – 28.
4- سورة الذاریات: الآیات 31 – 33.

ص: 37

وکذلک لما اتجهوا لأجل إهلاک قوم لوط کان لهم لقاء معه، حیث تصوّروا بصورة البشر:

(قَالُواْ یَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّکَ لَن یَصِلُواْ إِلَیْکَ فَأَسْرِ بِأَهْلِکَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّیْلِ وَلاَ یَلْتَفِتْ مِنکُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَکَ إِنَّهُ مُصِیبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَیْسَ الصُّبْحُ بِقَرِیبٍ)(1).

وعن الصادق علیه السلام:

«جاءت الملائکة لوطاً، وهو فی زراعة قُرْبَ القریة، فسلّموا علیه، ورأی هیئة حسنة، علیهم ثیابٌ بیضٌ وعمائم بیض..»(2).

وقد صرّح القرآن الکریم بتمثّل جبرئیل علیه السلام بصورة إنسان، وذلک حینما بعثه الله تعالی إلی مریم علیها السلام، قال تعالی:

(فَأَرْسَلْنَا إِلَیْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِیًّا)(3)


1- سورة هود: الآیة 81.
2- مجمع البیان: مج3 ج12/196.
3- سورة مریم: الآیة 17.

ص: 38

المحور الثانی: حالات الملائکة

اشارة

هل تأکل الملائکة أو تشرب؟

الجواب: لا، وإنما تعیشُ بنسیم العرش.

وهل تتزوَّج؟ لا.

روی عن الإمام الصادق علیه السلام:

«إنّ الملائکة لا یأکلون ولا یشربون ولا ینکحون، وإنما یعیشون بنسیم العرش»(1).

ومن دعاء للإمام زین العابدین علیه السلام:

(وَأَغْنَیْتَهُمْ عَنِ الطَّعَامِ والشَّرَابِ بِتَقْدِیْسِکَ)(2)


1- تفسیر القمی: 2/206، وتفسیر الصافی: مج4/230.
2- الصحیفة السجادیة الجامعة: ص 41.

ص: 39

إذن کیف تتکاثر الملائکة؟

الجواب: إنّ الملائکة لیس فیها جنسان حتی تتکاثر، وإنما هی جنسٌ واحد، ولذا فهی لا تتکاثر، وإنما الله تعالی هو الذی یُنشِئها مباشرة، فعن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«لم یسکنوا الأصلاب، ولم تتضمّنهم الأرحام، ولم تخلقهم من ماءٍ مهین، أنشأتهم إنشاءً »(1).

فإذن الملائکة یخلقها الله سبحانه مباشرةً ومن دون وسائط - کما هو حال الإنسان - وهذا لعله دلیلٌ علی شرف منزلتهم وعظم مکانتهم، فخلقتهم کخلقة آدم (علی نبینا وآله وعلیه السلام) هی خلقة مباشرة، وهی کخلقة الروح حیث إنّ الله تعالی أنشأ الأرواح مباشرة ولیس بوساطة التوالد، کما قال تعالی:

(وَیَسْأَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَمَا أُوتِیتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِیلاً)(2).

حیث إنّ من ضمن الأقوال التی وردت فی تفسیر الآیة قولاً یذکر أنّ المقصود من قوله تعالی:


1- تفسیر القمی: 2/207.
2- سورة الإسراء: الآیة 85.

ص: 40

(مِنْ أَمْرِ رَبِّی).

أی: (بأمره، وهو قوله للشیء کن فیکون)(1)، بمعنی أنَّ هناک أشیاء یوجدها الله تعالی بأسباب طبیعیة کتکوین جسم الإنسان وغیره من المادیات، وأشیاء یوجدها بمجرّد الأمر بکلمة: کن، ومنها الروح وکذلک الملائکة، وقد یُدّعی بأنَّ ما ینشئه الله تبارک وتعالی مباشرة أعظم وأشرف مما ینشئه من خلال الوسائط(2).

وورد فی روایة عن الباقر علیه السلام:

 «إنّ فی الجنة نهراً یغتمس فیه جبرئیل کلَّ غداة، ثمَّ یخرجُ منه فینفضُ، فیخلقُ الله  من کلّ قطرة ملکاً»(3).

وفی روایة أبی سعید عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنَّ فی الجنة لنهراً ما یدخله جبریل من دخلة فیخرج، فینتفض إلا خلق الله من کل قطرة تقطر منه ملکاً»(4).


1- تفسیر الکاشف: 5/79.
2- هذا البحث بحاجة إلی مزید تنقیح وتحقیق.
3- بحار الأنوار: 56/255.
4- الدر المنثور: 1/93.

ص: 41

هل الملائکة بنات الله؟!

وهنا شبهة أوردها الکفار، حیث عدّوا الملائکة إناثاً، وأنّها بناتُ الله سبحانه، والقرآن الکریم یردّ علی ذلک بشدة، وذلک فی قوله تعالی:

(فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّکَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ * أَمْ خَلَقْنَا الْمَلائِکَةَ إِنَاثًا وَهُمْ شَاهِدُونَ)(1).

ویقول:

(وَجَعَلُوا الْمَلَائِکَةَ الَّذِینَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا)(2).

وکما قلنا بأنّ الملائکة لیس فیها جنسان حتی نقول:

إنّ فیها إناثاً، کما أنها مخلوقات عابدة لله تعالی، ولیست بناتٍ له!! تعالی عن ذلک عُلُوّاً کبیراً.

هل تنام الملائکة؟!

بقی السؤال: هل تنام الملائکة؟

الجواب علی ذلک: أولاً: یقول الله تعالی:

(وَمَنْ عِندَهُ لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا یَسْتَحْسِرُونَ * یُسَبِّحُونَ اللَّیْلَ وَالنَّهَارَ لا یَفْتُرُونَ)(3)


1- سورة الصافات: الآیتان 149 – 150.
2- سورة الزخرف: الآیة 19.
3- سورة الأنبیاء: الآیتان 19 – 20.

ص: 42

ثانیاً: عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«لا یغشاهم نوم العیون، ولا سهو العقول، ولا فترةُ الأبدان»(1).

فهم إذن لا یسأمون ولا یملون ولا یتعبون ولا ینامون، وإنما هم فی حالة عبادة دائمة ومستمرة، والتعب والملل والنوم إنما هی من عوارض الجسم الکثیف، وهؤلاء لا أجسامَ مادیة کثیفة لهم کما بیّنا، ویؤیده ما ورد عن الإمام الصادق علیه السلام:

«.. وإنّ لله ملائکةً رُکّعاً إلی یوم القیامة، وإنّ لله ملائکة سُجّداً إلی یوم القیامة»(2).

وما ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی نهج البلاغة:

«.. ثمّ فتقَ ما بینَ السماواتِ العُلی فملأهنّ أطواراً من ملائکته، منهم سُجودٌ لا یرکعون، ورکوعٌ لا ینتصبون، وصافّون لا یتزایلون، ومُسبّحون لا یسأمون..»(3).

فإنّ کون بعضهم رکّعاً وبعضهم سُجّداً، وبعضِهم الآخر صافاً لا یزول، وآخرین مسبّحین لا یسأمون یقتضی أنهم فی حالة یقظة دائمة، لا تتخلّلها رقدة ولا غفلة. وورد عن الإمام السجاد علیه السلام:


1- تفسیر القمی: 2/207، وبحار الأنوار: 56/175 باختلاف یسیر.
2- تفسیر القمی: 2/207، وتفسیر الصافی: مج4/230، وبحار الأنوار: 56/174.
3- نهج البلاغة: 1/18 – 19.

ص: 43

«.. وَالَّذِینَ لا تَدْخُلُهُمْ سَأْمَةٌ مِنْ دؤُوبٍ، وَلاَ إعْیَاءٌ مِنْ لُغُوبٍ وَلاَ فُتُورٌ، وَلاَ تَشْغَلُهُمْ عَنْ تَسْبِیحِکَ الشَّهَوَاتُ، وَلا یَقْطَعُهُمْ عَنْ تَعْظِیمِکَ سَهْوُ الْغَفَ_لاَتِ، الْخُشَّعِ الاَبْصارِ فلا یَرُومُونَ النَّظَرَ إلَیْکَ، النَّواکِسِ الأذْقانِ الَّذِینَ قَدْ طَالَتْ رَغْبَتُهُمْ فِیمَا لَدَیْکَ..»(1).

وکل هذا یؤیّد أنّ الملائکة لا ینامون. إلا أنه ورد أیضاً عن الإمام الصادق علیه السلام أنّه سُئلَ عن الملائکة ینامون؟ فقال علیه السلام:

«ما من حیٍّ إلا وهو ینام خلا الله عز وجل، والملائکة ینامون، فقلتُ: یقول الله عز وجل:

(یُسَبِّحُونَ اللَّیْلَ وَالنَّهَارَ لا یَفْتُرُونَ).

قال: أنفاسهم تسبیح»(2).

وفی روایة أنه سُئلَ: «ما العلة فی نومهم؟ فقال:

فرقاً بینهم وبین الله عز وجل، لأنّ الذی لا تأخذه سِنةٌ ولا نوم هو الله»(3).

وهذه الروایة - وکذلک التی قبلها - تُؤوّل الآیة الکریمة وتذکر أنّه


1- الصحیفة السجادیة الجامعة: ص 41.
2- بحار الأنوار: 56/185.
3- بحار الأنوار: 56/193.

ص: 44

 لیس معناها أنهم لا ینامون، فهم ینامون ولکن أنفاسهم تسبیح، فإذا تمّ سند إحدی الروایتین فنقبلُها مفسِّرة للآیة، وأمّا روایة الإمام علی علیه السلام:

«لا یغشاهم نوم العیون».

فلابُدّ أنْ نؤولها بشکل یتوافق مع هذه الروایة، فنقول: إنّ المقصود من جملة: (لا یغشاهم نوم العیون): أی کنایة عن عدم فتورهم عن التسبیح لله تبارک وتعالی، لا أنهم لا ینامون واقعاً.

ولو لم یتم السند فنأخذ بظاهر الآیة الکریمة، ونقول: ما داموا یسبحون لیلاً ونهاراً فهذا یلازمهُ عدم النوم، ویؤیده الروایات الأخری التی نستفید منها بالملازمة عدم نومهم، إضافة إلی روایة «لا یغشاهم نوم العیون» الصریحة فی أنهم لا ینامون.

ثمّ کما قُلنا: إنّ النوم من عوارض الجسم الکثیف، کما أنّ وظیفة الملائکة تقتضی ألا یناموا، إذ إنّ منهم مَن هو موکّل بالأرزاق، ومنهم مَن له عمل فی تدبیر الکون - کما سیأتی - فلو فتروا لحظة لاختلّ النظام. وکذلک الملائکة لا یمرضون لأنّ المرض أیضاً من أعراض أجسامنا، فعن أمیر المؤمنین علیه السلام:

«.. وجنّبتَهم الآفات، ووقیتَهم البلیات..»(1)


1- بحار الأنوار: 56/175.

ص: 45

المحور الثالث: کثرة الملائکة

وأما بالنسبة لعدد الملائکة فهو عدد هائل جداً لا یتصوره عقل إنسان، ولا یقدر علی إحصائهم إلا الذی خلقهم سبحانه، فإننا لو تأملنا فی عدد الملائکة الذین یطوفون حول العرش فقط لوجدنا عجباً، وهؤلاء عبارة عن قسم من أقسام الملائکة، وإلیکم هذه الروایة التی وردت عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، وهو یتحدث فیها عن خلق العرش:

«إنّ الله لما خلق العرش خلق له ثلاثمائة وستین ألف رکن، وخلق عند کلّ رکن ثلاثمائة وستین ألف ملک، لو أُذنَ لأصغرهم فالتقم السماوات السبع والأرضین السبع ما کان ذلک بین لهواته إلا کالرملة فی المفازة

ص: 46

الفضفاضة، فقال لهم الله: یا عبادی، احتملوا عرشی هذا، فتعاطوهُ فلم یطیقوا حمله ولا تحریکه، فخلق الله عز وجل مع کلِّ واحدٍ منهم واحداً، فلم یقدروا أنْ یُزعزعوه، فخلق الله مع کلِّ واحدٍ منهم عشرة فلم یقدروا أنْ یحرکوه، فخلق الله بعدد کلِّ واحدٍ منهم مثل جماعتهم، فلم یقدروا أنْ یحرکوه، فقال الله عز وجل لجمیعهم: خلّوه علیّ أُمسکْهُ بقدرتی. فخلَّوه، فأمسکه الله عز وجل بقدرته. ثمّ قال لثمانیة منهم: احملوه أنتم. فقالوا: یا ربّنا، لم نطقهُ نحنُ وهذا الخلق الکثیر والجمّ الغفیر، فکیف نُطیقه دونهم؟ فقال الله عز وجل: لأنی أنا الله المقرِّب للبعید، والمذلِّل للعبید، والمخفِّف للشدید، والمُسهِّل للعسیر، أفعلُ ما أشاء، وأحکم ما أرید، أعلمکم کلمات تقولونها یخفُّ بها علیکم. قالوا: وما هی؟ قال: تقولون: بسم الله الرحمن الرحیم، ولا حولَ ولا قوّةَ إلا بالله العلی العظیم، وصلَّی الله علی مُحمَّدٍ وآلهِ الطّیبین.

فقالوها، وخفَّ علی کواهلهم کشعرة نابتة علی کاهلِ رجلٍ جَلِدٍ قوی. فقال الله عز وجل لسائر تلک الأملاک: خلُّوا علی هؤلاء الثمانیة عرشی لیحملوه، وطوفوا أنتم حوله وسبِّحونی ومجِّدونی وقدِّسونی، فأنا الله القادر

ص: 47

المطلق علی ما رأیتم، وعلی کلِّ شیء قدیر»(1).

إنّ هذا العدد المذکور فی الروایة عدد کبیر جداً، إذ یمکن تقدیره بملیارات الملیارات الملیارات، وهذا إنْ دلَّ علی شیء فیدلُّ علی العظمة الإلهیة، وصغر حجم الإنسان ومکانته، إذ هو مع کل تغطرسه وجبروته لا یشکِّل شیئاً أمام هذا الخلق العظیم، یقول تبارک وتعالی:

(.. وَمَا یَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّکَ إِلاّ هُوَ)(2).

وروی أنه سُئلَ الإمام الصادق علیه السلام هل الملائکة أکثر أم بنو آدم؟ فقال:

«والذی نفسی بیده، لملائکة الله فی السماوات أکثر من عدد التراب فی الأرض، وما فی السماء موضعُ قدمٍ إلا وفیها ملکٌ یُسبِّحُه ویُقدِّسهُ، ولا فی الأرضِ شجرٌ ولا مدَرٌ إلا وفیها ملکٌ موکَّلٌ بها یأتی الله کلَّ یومٍ بعملها، والله أعلم بها، وما منهم أحدٌ إلا ویتقرَّب کلَّ یوم إلی الله بولایتنا أهل البیت، ویستغفرُ لمحبینا، ویلعنُ أعداءنا، ویسألُ الله أنْ یُرسِلَ علیهم العذاب إرسالاً»(3).


1- بحار الأنوار: 55/33.
2- سورة المدثر: الآیة 31.
3- بحار الأنوار: 56/176.

ص: 48

وعنه علیه السلام:

«لیس خلق أکثر من الملائکة، إنه لینزل کلَّ لیلة من السماء سبعون ألف ملک، فیطوفون بالبیت الحرام لیلتهم، وکذلک فی کلِّ یوم»(1).

وعن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«أطَّت السماء وحقَّ لها أنْ تئط، ما فیها موضع قدم إلا وفیه ملک ساجد أو راکع»(2).

ونقل الرازی فی تفسیره أنه روی: «أنَّ بنی آدم عُشْر الجن، والجن وبنو آدم عُشْر حیوانات البر، وهؤلاء کلهم عُشْر الطیور، وهؤلاء کلهم عُشْر حیوانات البحر، وهؤلاء کلهم عُشْر ملائکة الأرض الموکلین بها، وکلّ هؤلاء عُشْر ملائکة سماء الدنیا، وکل هؤلاء عُشْر ملائکة السماء الثالثة(3)، وعلی هذا الترتیب إلی السماء السابعة، ثم الکل فی مقابلة ملائکة الکرسی نزرٌ یسیر، ثم کل هؤلاء عُشْر ملائکة السُرادق الواحد من سرادقات العرش التی عددها ستمائة ألف.. ثم کل هؤلاء فی مقابلة الملائکة الذین یحومون حول العرش کالقطرة فی البحر، ولا یعلم عددهم إلا الله»(4).


1- الکافی: 8/272.
2- تفسیر الرازی: مج1 ج2/161.
3- ملاحظة: هکذا جاءت الروایة فی المصدر، لیس فیها ذکر للسماء الثانیة.
4- تفسیر الرازی مج1 ج2/161 – 162.

ص: 49

الفصل الثالث

اشارة

* عصمة الملائکة

— هل الملائکة مجبورة علی أعمالها؟

* شبهات حول عصمة الملائکة

— قضیة هاروت وماروت

ص: 50

ص: 51

المحور الأول: عصمة الملائکة

اشارة

لا شکَّ ولا ریبَ أنَّّ الملائکة مخلوقات مطیعة لله تعالی عاملةٌ بأمره، أی إنها معصومة عن المعصیة، ومعنی إنها معصومة أنها تستطیع المخالفة إلا أنها مستحیلة فی حقها، وذلک لعدم توفر دواعی المعصیة عندها فقد ذکرنا بأنَّ الله تعالی خلق الملائکة کائنات عاقلة، إذن فقد منحها العقل والفهم، وذکرنا بأنها لا تأکل، ولا تشرب، ولا تتزوج، فإذن لیس لدیها شهوات تدفعها إلی المعصیة، ومن هنا فإنَّ عصمتها أمرٌ طبیعی ومنطقی.

ولذلک فالإنسان الذی یحمل فی داخله الشهوات والرغبات إلی جانب العقل یکون أفضل من الملائکة إذا التزم ولَمْ یعصِ، باعتبار أنه تغلَّب علی شهواته ورغباته ونزعاته النفسیة، وکبحها ومنعها بقوةِ عقلهِ وإیمانه فهو أفضل وأرفع من الملائکة.

ص: 52

وبالعکس فالإنسان الذی ینحدر مع شهوته، همّهُ الأکل والشرب والجنس وجمع المال من دون مراعاة الحلال والحرام، فهذا یصبح أدون من الحیوان، لأنَّ الحیوان حین یسیر خلف شهوته فهو معذور، لأنه لا یملک إلا الشهوة والغریزة، لیس عنده نور العقل، أما الإنسان فقد کرَّمه الله سبحانه، ورفعه بنور العقل، فلو لم یستعمل هذا النور صار أقل رتبةً من الحیوانات.

إذن الملائکة معصومون، والأدلة علی عصمتهم من القرآن الکریم:

1 - قال تعالی: (إِنَّ الَّذِینَ عِندَ رَبِّکَ لاَ یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَیُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ یَسْجُدُونَ)(1).

2 - قال تعالی: (وَلِلّهِ یَسْجُدُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الأَرْضِ مِن دَآبَّةٍ وَالْمَلآئِکَةُ وَهُمْ لاَ یَسْتَکْبِرُونَ * یَخَافُونَ رَبَّهُم مِّن فَوْقِهِمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ)(2).

3 - قال تعالی: (وَمَنْ عِندَهُ لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا یَسْتَحْسِرُونَ * یُسَبِّحُونَ اللَّیْلَ وَالنَّهَارَ لا یَفْتُرُونَ)(3)


1- سورة الأعراف: الآیة 206.
2- سورة النحل: الآیتان 49 – 50.
3- سورة الأنبیاء: الآیتان 19 – 20.

ص: 53

4 - قال تعالی: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُّکْرَمُونَ * لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ)(1).

5 - قال تعالی: (عَلَیْهَا مَلَائِکَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا یَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَیَفْعَلُونَ مَا یُؤْمَرُونَ)(2).

6 - قال تعالی: (لَّن یَسْتَنکِفَ الْمَسِیحُ أَن یَکُونَ عَبْداً لِّلّهِ وَلاَ الْمَلآئِکَةُ الْمُقَرَّبُونَ)(3).

قال الشیخ المفید قدس سره فی کلام له عن الملائکة: (إنهم معصومون ممّا یوجب لهم العقاب بالنار..)(4). وقال الفخر الرازی: (الجمهور الأعظم من علماء الدین اتفقوا علی عصمة کل الملائکة عن جمیع الذنوب، ومن الحشویة من خالف فی ذلک)(5).

ومما یؤید عصمتهم أیضاً أنهم لو أمکن فی حقهم المخالفة لکان ذلک موجباً لاضطراب الکون واختلال نظامه، إذ هم مسؤولون عن تدبیره وتسییره بإذن الله تعالی.


1- سورة الأنبیاء: الآیتان 26 – 27.
2- سورة التحریم: الآیة 6.
3- سورة النساء: الآیة 172.
4- أوائل المقالات: ص 80.
5- تفسیر الرازی: مج1 ج2/166.

ص: 54

نعم هناک فرق بین عصمتهم وعصمة الأنبیاء یظهر من خلال ما بیَّناهُ قبل قلیل، فعصمة الأنبیاء أرقی وأعلی رتبةً، إذ الأنبیاء مع توفر الشهوة والغریزة فی نفوسهم إلا أنَّهم لا یسمحون لها بالخروج عن حدِّها، بل وصلوا إلی درجة یستحیل فی حقهم أن یسمحوا لها بتجاوز الأوامر الإلهیة، فی حین أنَّ الملائکة لا غرائز لدیهم ولا شهوات کما ذکرنا.

هل الملائکة مجبورة علی أعمالها؟

والملائکة مختارون فی تصرّفاتهم لا مجبورون علیها، بمعنی أنهم یستطیعون المخالفة، ولکنهم لا یخالفون، وهذا معنی العصمة، أما لو کانوا مجبورین لما کان معنی لعصمتهم ولأصبحوا مثل الحجر والمدر والشجر وغیرها من الأمور المسیّرة، فهذه الأشیاء لا تخالف لیس لأنها معصومة، ولکن لأنها مجبرة، ولو کان حال الملائکة حال هذه الأشیاء لما کان معنی لتوعدها بالنار، إذ الأشیاء المجبرة لا تتوعد، ولما کان معنی لمدحها علی فعل الخیر إذ المسیّرات لفعل الخیر لا تتمکن من ترکه، وکل الآیات الکریمة - التی ذکرناها - والتی دلت علی عصمتهم دلت علی اختیارهم، وهی واضحة الدلالة علی ذلک، فهی تقول: إنهم لا یستکبرون، ولا یعصون، ولا یستنکفون، ولا یسبقونه بالقول وهم بأمره

ص: 55

یعملون، فهم إذن یستطیعون الاستکبار والعصیان والاستنکاف والسبق بالقول وعدم العمل بالأمر.

وبهذا یظهر ضعف قول من زعم بأنَّ الملائکة مضطرون إلی أعمالهم مجبرون علیها فهم بمنزلة الآلة التی یحرّکها الإنسان کیف أراد.

قال الشیخ المفید قدس سره فی کتاب المقالات: (أقول: إنَّ الملائکة مُکلَّفون وموعودون ومُتَوَعَّدُون، قال تبارک وتعالی:

(وَمَن یَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّی إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِکَ نَجْزِیهِ جَهَنَّمَ کَذَلِکَ نَجْزِی الظَّالِمِینَ)(1).

وأقول إنهم معصومون مما یوجب لهم العقاب بالنار، وعلی هذا القول جمهور الإمامیة وسائر المعتزلة وأکثر المرجئة وجماعة من أصحاب الحدیث، وقد أنکر قومٌ من الإمامیة أنْ یکون الملائکة مکلفین، وزعموا أنهم إلی الأعمال مضطرون، ووافقهم علی ذلک جماعة من أصحاب الحدیث)(2).

وقال ابن أبی  الحدید المعتزلی: (حکی عن قوم من الحشویة أنهم یقولون: إنّ الملائکة مضطرون إلی جمیع أفعالهم، ولیسوا مکلفین، وقال جمهور أهل النظر: إنهم مکلَّفون)(3).


1- سورة الأنبیاء: الآیة 29.
2- أوائل المقالات: ص 80 – 81.
3- شرح نهج البلاغة: 6/432.

ص: 56

وقال الفخر الرازی: (اختلفوا فی أنَّ الملائکة هل هم قادرون علی المعاصی والشرور أم لا؟ فقال جمهور الفلاسفة وکثیر من أهل الجبر: إنهم خیرات محضة(1) ولا قدرةَ لهم البتّة علی الشرور والفساد، وقال جمهور المعتزلة وکثیرٌ من الفقهاء: إنهم قادرون علی الأمرین: واحتجوا علی ذلک بوجوه)(2)، ثم استدل بمجموعة من الأدلة:

1 - قول الملائکة:

(أَتَجْعَلُ فِیهَا مَن یُفْسِدُ فِیهَا وَیَسْفِکُ الدِّمَاء)(3).

فإنّ قولهم هذا إما أن یکون معصیة أو من باب ترک الأولی، وعلی کلا الحالین فهم قادرون.

2 - قوله تعالی:

(وَمَن یَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّی إِلَهٌ مِّن دُونِهِ فَذَلِکَ نَجْزِیهِ جَهَنَّمَ).

الدال علی توعدهم، وقوله تعالی:

(لا یَسْتَکْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ).

الذی یدل علی أنهم قادرون علی الاستکبار.


1- فی الأصل (محض).
2- تفسیر الرازی: مج1 ج2/171.
3- سورة البقرة: الآیة 30.

ص: 57

3 - لو لم یکونوا قادرین علی ترک الخیرات لما کانوا ممدوحین بفعلها(1)، ولو لم یکونوا قادرین علی فعل المعاصی لما کانوا ممدوحین بترکها، لأنّ من لا یستطیع فعلَ شیء لا یصلح مدحه لترکه، ومن لا یستطیع ترک شیء لا یصلح مدحه لفعله، ألا تری أنَّ الله سبحانه لم یمدح الجمادات ویثنی علیها کما أثنی علی الملائکة وذلک أنها غیر مختارة.

فیظهر لنا مما تقدم أنَّ الملائکة مختارون قادرون علی المخالفة إلا أنهم معصومون، لا تجوز فی حقهم المخالفة.


1- إلی هنا ینتهی ما ذکره الرازی، والباقی توضیح للفکرة التی طرحها.

ص: 58

المحور الثانی: شبهات حول عصمة الملائکة

اشارة

هناک بعض الشبهات التی یمکن أن تُطرَح بالنسبة لعصمة الملائکة، منها:

ما صدر عن بعض الملائکة من أعمال مخالفة - بحسب الظاهر - للأوامر الإلهیة، مثل قصة الملک فطرس، فقد روی عن أبی عبد الله علیه السلام:

«إنَّ فطرس ملکٌ کان یطوفُ بالعرش فتلکَّأ فی شیءٍ من أمرِ الله تعالی فقُصَّ جناحه، ورُمی به علی جزیرة من جزائر البحر، فلمَّا وُلِدَ الحسین علیه السلام هبط جبرئیل إلی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یهنّیه بولادة الحسین علیه

ص: 59

السلام، فمرَّ به، فعاذ بجبرئیل، فقال: قد بُعِثتُ إلی محمَّدٍ صلی الله علیه وآله وسلم لأهنیه بمولود وُلِدَ لهُ، فإنْ شِئتَ حملتکَ إلیه. فقال: قد شئتُ. فحمله، فوضعه بین یدی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فبصبص بإصبعه إلیه، فقال له رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: امسح جناحَکَ بحسین. فمسح جناحه بحسین علیه السلام، فعرج»(1).

فإنَّ هذه الروایة تشیر إلی أنَّ فطرس قد خالف الله تبارک وتعالی فی شیء أمرَهُ به.

والجواب عن هذه القضیة وأشباهها أنها من باب ترک الأولی، إذ إننا بعد أن ثبتت لدینا عصمة الملائکة بالقطع یجب علینا تأویل کل ما یرد - ویظهر منه خلاف ذلک - علی خلاف ظاهره، خصوصاً أنَّ هذا الخبر وأمثاله لا تعدو کونها أخباراً آحاداً لا تفیدنا أکثر من الظن، فهی إذن لا یمکن أن تصمد فی مقابل ما ثبت بالقطع.

قضیة هاروت وماروت

وأما قصة هاروت وماروت، فقد کثر الکلام والأخذ والرد حولها، ولکننا نذکرها ملخصةً أولاً حسب ما ورد فی روایات عن أهل


1- سفینة البحار: 7/117.

ص: 60

البیت علیهم السلام، ثم ننتقل إلی التفاصیل.

والقصة باختصار: أنهما ملکان بعثهما الله تعالی لأجل تعلیم الناس طریقة إبطال السحر، حیث إنّ السحرة کثروا فی ذلک الزمان، ولأنَّ تعلیم الناس طریقةَ إبطال السحر لا یمکن إلا بعد تعلیمهم قواعد السحر وأصوله، فکان لابدَّ من تعلیم الناس السحر أولاً.

وتذکر الروایة الواردة عن الإمام الصادق علیه السلام أنَّ هذین الملکین بعثهما الله إلی نبی ذلک الزمان فعلماه السحر وما یبطل به، وأدی ذلک النبی بدوره ما تعلمه منهما إلی الناس، وأمر النبی الملکین أن یظهرا للناس بصورة بشرین ویعلماهم ما علمهما الله ویعظاهم. فإذن هذا الأمر کان بتوجیه وأمر من الله تعالی، ولیس من عند الملکین أنفسهما.

یقول القرآن الکریم:

(وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّیَاطِینُ عَلَی مُلْکِ سُلَیْمَانَ)(1).

أی إنَّ الیهود - لأن الکلام کان عنهم - اتبعوا السحر الذی قرأته الشیاطین فی زمن سلیمان (علی نبینا وآله وعلیه السلام)، حیث إنّ إبلیس کتب السحر ودفنه تحت کرسی سلیمان علیه السلام، لیتصور الناس أنّ سلیمان نال ما نال من المکانة من خلال السحر، وزعمت


1- سورة البقرة: الآیة 102.

ص: 61

الشیاطین ذلک أیضاً:

(وَمَا کَفَرَ سُلَیْمَانُ وَلَکِنَّ الشَّیْاطِینَ کَفَرُواْ).

فسلیمان لیس له علاقة بالسحر الذی هو بمنزلة الکفر(1)، وإنّما الشیاطین هم الذین نسبوه إلیه:

(یُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَی الْمَلَکَیْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا یُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ).

أی هاروت وماروت.

(حَتَّی یَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَکْفُرْ).

أی تعلیمنا لکم السحر هو ابتلاء، إذ السحر سلاح ذو حدین، إما أن تستخدموه لإبطال السحر وهو الجانب الخیِّر، أو لعمل السحر، وهو الجانب السیئ، کما یعلم الطبیب تلمیذه أنواع السموم، ثمّ یقول له: إنَّ دواء السمّ الفلانی هو کذا، ودواء السم الفلانی کذا، فإنه لا یقصد من ذلک إرشاده إلی سمِّ الناس، وإنما یقصد إرشاده إلی علاج الناس لو تعرَّضوا لذلک السم(2).


1- ورد عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم: «من أتی کاهناً أو عرّافاً فصدّقهما بقولٍ فقد کفر بما أُنزل علی محمد». بحار الأنوار: 56/299.
2- ما ذُکر هنا من قضیة هاروت وماروت مأخوذ من عدة روایات: تفسیر البرهان: 1/294 – 299.

ص: 62

فهذه هی حقیقة القضیة کما وردت عن أهل البیت علیهم السلام، ولکن هناک قصة أخری ذُکِرت لهاروت وماروت قد تتنافی مع عصمة الملائکة، وملخص تلک القصة:

(أنَّ هاروت وماروت ملکان اختارتهما الملائکة لما کثُر عصیان بنی آدم، وأنزلهما الله تعالی مع ثالث لهما إلی الدنیا، وأنهما افتتنا بالزهرة وأرادا الزنا بها، وشربا الخمر، وقتلا النفس المحرمة، وأنَّ الله یعذّبهما ببابل، وأنَّ السحرة منهما یتعلمون السحر، وأنَّ الله تعالی مسخ تلک المرأة هذا الکوکب الذی هو الزهرة)(1).

وقد روی أنَّ هذه الکلام طُرح علی الإمام العسکری علیه السلام فقال:

«معاذ الله من ذلک، إن الملائکة معصومون من الخطأ محفوظون من الکفر والقبائح بألطاف الله تعالی».

ثم ذکر علیه السلام بعض الآیات التی تدل علی عصمتهم(2).

وبالمناسبة طرح السائلان: (اللذان سألا الإمام السؤال الأول)، شبهة أخری عن عصمة الملائکة، فقالا: لقد روی لنا أنَّ علیاً علیه


1- تفسیر البرهان: 1/296 – 297.
2- تفسیر البرهان: 1/297.

ص: 63

السلام لما نصَّ علیه رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم بالولایة والإمامة عرض الله فی السماوات ولایته علی فئام وفئام وفئام من الملائکة، فأبوها فمسخهم الله تعالی ضفادع. فقال:

«معاذ الله هؤلاء المکذبون علینا، الملائکة هم رسل الله إلی الخلق، فهم کسائر أنبیاء الله، أفیکون منهم الکفر بالله؟! قلنا: لا. قال: فکذلک الملائکة، إنَّ شأن الملائکة عظیم، وإنَّ خطبهم جلیل»(1).

وروی عن علی بن محمد بن الجهم أنه قال: سمعت المأمون یسأل الرضا علی بن موسی علیه السلام عما یرویه الناس من أمر الزُّهرة، وأنها کانت امرأة فُتِن بها هاروت وماروت، وما یروونه من أمر سُهیل، وأنه کان عشّاراً بالیمن، فقال علیه السلام:

«کذبوا فی قولهم: إنهما کوکبان، وإنما کانتا دابتین من دواب البحر، وغلط الناس وظنوا أنهما کوکبان، وما کان الله تعالی لیمسخ أعداءه أنواراً مضیئة ثمّ یبقیهما ما بقیت السماء والأرض، وإنَّ المسوخ لم تبقَ أکثر من ثلاثة أیام حتی ماتت وما تناسل منها شیء، وما علی وجه الأرض الیوم


1- م.س: ص 297 – 298.

ص: 64

مسخ.. وأما هاروت وماروت فکانا ملکین علما الناس السحر لیحترزوا به من سحر السحرة، ویبطلوا به کیدهم، وما علما أحداً من ذلک شیئاً إلا قالا له: إنما نحن فتنةٌ فلا تکفر، فکفر قوم باستعمالهم لما أمروا بالاحتراز منه»(1).

إلا أنه ورد أیضاً من طریق أهل البیت علیهم السلام، وغیرهم ما یدلّ علی صحة هذه القصة، فعن الإمام الباقر علیه السلام روایة تشرح القصة بشکل مفصَّل(2)، بشکل یقرب مما مرَّ سابقاً. واحتمل العلامة المجلسی فی البحار أن تکون محمولة علی التقیة لأنَّ الذی سأل الإمام علیه السلام عن هذه القصة کان من علماء العامة(3)، لاسیما وأنَّ قدماء مفسری العامة رووا هذه القصة(4)، فلعلها کانت ثابتة عندهم.

ووردت روایة أخری عن أمیر المؤمنین علیه السلام، حینما سأله ابن الکواء عن الکوکبة الحمراء - ویقصد بها الزهرة -، وفیها تفصیل وسرد شبیه بما ورد عن الباقر علیه السلام مع اختلاف بسیط(5).


1- تفسیر البرهان: 1/298.
2- تفسیر العیاشی: 1/52 – 54، وتفسیر القمی: 1/55 – 58.
3- م.س: 56/316.
4- بحار الأنوار: 56/310.
5- تفسیر العیاشی: 1/54 – 55.

ص: 65

وإضافة إلی هاتین الروایتین نُقِلَ عن علل الشرائع والخصال عدة روایات یظهر منها تأیید صحة هذه القضیة من دون تفصیل:

 فأولها: عن الصادق عن آبائه علیهم السلام عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«وأما الزُّهرة فکانت امرأة نصرانیة، وکانت لبعض ملوک بنی إسرائیل، وهی التی فُتِنَ بها هاروت وماروت، وکان اسمها ناهید»(1).

وثانیها: عن الصادق عن أبیه عن جده علیهم السلام، قال:

«إنَّ المسوخ من بنی آدم ثلاثة عشر - إلی أن قال -: وأما الزهرة فکانت امرأة فتنت هاروت وماروت فمسخها الله کوکباً»(2).

وثالثها: عن الصادق عن أبیه عن جده علیهم السلام:

«وأما الزهرة فکانت امرأة فتنت هاروت وماروت، فمسخها الله زهرة»(3).


1- تفسیر نور الثقلین: 1/137 عن الخصال.
2- م.س: عن الخصال.
3- تفسیر نور الثقلین: 1/138 عن علل الشرائع.

ص: 66

ورابعها: عن أبی الحسن علیه السلام: أنه عدَّ المسوخ إلی أنْ قال:

«ومُسخت الزُّهرة لأنها کانت امرأة فُتِنَ بها هاروت وماروت»(1).

وخامسها: عن الصادق علیه السلام:

«وأما الزُّهرة فإنها امرأة کانت تسمی ناهید، وهی التی تقول الناس إنه افتتن بها هاروت وماروت»(2).

فهذه هی الروایات التی عثرتُ علیها فی المقام من طرق الإمامیة، وسیأتی الحدیث عما ورد من طرق غیرهم.

ولعل الروایة الأخیرة تؤید ما ذهب إلیه المجلسی قدس سره حینما احتمل إمکان حمل روایة الإمام الباقر علیه السلام علی التقیة، إذْ الإمام علیه السلام هنا لم یتبنَ هذا القول الذی تقوله الناس وهو أنَّ الزُّهرة کانت امرأة فُتِنَ بها هاروت وماروت، ولذا عبَّر بقوله: «وهی التی تقول الناس»، فلو کان ما تقول الناس حقاً لما کان مانع من أنْ یلقیه من دون نسبة.


1- م.س: 1/137 - 138 عن علل الشرائع.
2- م.س: 1/138 عن علل الشرائع.

ص: 67

واحتمل صاحب کتاب (الملائکة) أنْ تکون هذه القصة من الإسرائیلیات المنسوبة إلی الأئمة علیهم السلام(1)، وقال البیضاوی: (وما روی أنهما مُثلا بشرین ورُکِّبَ فیهما الشهوة، فتعرضا لامرأة یُقال لها زُهرة فحملتهما علی المعاصی والشرک، ثمَّ صعدت إلی السماء بما تعلمت منهما فمحکیٌّ عن الیهود، ولعله من رموز الدلائل وحلُّه لا یخفی علی ذوی البصائر)(2).

وقال صاحب المیزان: (فهذه القصة.. تطابق ما عند الیهود علی ما قیل من قصة هاروت وماروت، تلک القصة الخرافیة التی تشبه خرافات یونان فی الکواکب والنجوم)(3).

وقال صاحب تفسیر الکاشف عند تفسیر آیة (هاروت وماروت): (تکلم المفسرون هنا، وأطالوا، ولا مستند لأکثرهم سوی الإسرائیلیات التی لا یقرها عقلٌ ولا نقل)(4).

إلاّ أنَّ إلقاء التهمة علی الیهود - وغض النظر عما ورد من روایات - لمجرَّد أنَّ القصة تشابه ما ورد عندهم غیر مقبول، فما أکثر القصص التی ذکرها القرآن الکریم فی أمر موسی علیه السلام وبنی


1- کتاب الملائکة (من موسوعة أهل البیت علیهم السلام الکونیة): ص 502.
2- تفسیر البیضاوی: 1/79.
3- تفسیر المیزان: 1/239.
4- تفسیر الکاشف: 1/161.

ص: 68

إسرائیل وهی تشابه ما ورد عندهم، فهل معنی هذا أنها محرَّفة؟!

وعن الشیخ البهائی قدس سره أنه رأی فی بعض التفاسیر: (أنَّ المراد بالملکین المذکورین: الروح والقلب، فإنهما من العالم الروحانی أُهبطا إلی العالم الجسمانی لإقامة الحق، فافتتنا بزهرة الحیاة الدنیا، ووقعا فی شبکة الشهوة، فشربا خمر الغفلة، وزنیا ببغی الدنیا، وعبدا صنم الهوی، وقتلا نفسهما بحرمانهما من النعیم الباقی فاستحقا ألیم النکال وقطیع العذاب)(1). واحتمل الآلوسی فی تفسیره أیضاً أن تکون هذه القصة من باب الرموز والإشارات، وذکر ما یقرب مما حکاه البهائی قدس سره(2)، وقد مرَّ احتمال البیضاوی لذلک.

إلا أنَّ مثل هذا التوجیه خلاف الظاهر فلا یُصار إلیه إلا مع القرینة والدلیل وهما منتفیان فی المقام، ولو فرضنا وجود دلیل علی هذا الکلام لکان من باب التأویل وهو لا یتنافی مع التفسیر، إذْ إنَّ لآیات القرآن الکریم تفسیراً وتأویلاً، فالنتیجة أنَّ المشکلة تبقی غیر محلولة.

وأما من طرق العامة فقد رووا أکثر من عشرین حدیثاً(3)  کثیرٌ منها ینتهی إلی ابن عمر وبعضها إلی ابن عباس، وبعضها إلی علی علیه السلام


1- بحار الأنوار: 56/311.
2- تفسیر روح المعانی: مج1 ج1/341.
3- راجعها فی الدر المنثور: 1/97 حتی 102.

ص: 69

وابن مسعود وعائشة وعمر وکعب الأحبار وغیرهم، وفیها أحادیث صرَّح بعض علمائهم بصحة أسانیدها(1).

وکلها تصبُّ فی معنی واحد وهو إثبات صحة هذه القصة، وأنَّ هذین الملکین تعرَّضا للانحراف بسبب الزهرة.

ولکنَّ جماعة من علماء العامة أنکروا صحة هذه القصة وزیفوها منهم القاضی عیاض الذی ذکر - بحسب ما نقل عنه الآلوسی -  (أنّ ما ذکره أهل الأخبار ونقله المفسرون فی قصة هاروت وماروت لم یرد منه شیء لا سقیم ولا صحیح عن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم.. وذکر فی (البحر) أنَّ جمیع ذلک لا یصح منه شیء)(2).

وعلق القرطبی علی القضیة بقوله: (هذا کله ضعیف وبعید عن ابن عمر وغیره، لا یصح منه شیء، فإنه قولٌ تدفعه الأصول فی الملائکة الذین هم أمناء الله علی وحیه وسفراؤه إلی رسله)(3).

وبالغ الشهاب العراقی فی الإنکار إلی حد الشطط حیث نصَّ - کما حُکی عنه - علی أنَّ: (من اعتقد فی هاروت وماروت أنهما ملکان یُعذَّبان علی خطیئتهما مع الزهرة فهو کافرٌ بالله تعالی العظیم، فإنّ


1- تفسیر الدر المنثور: 1/97 – 102، وتفسیر روح المعانی: مج1 ج1/341.
2- تفسیر روح المعانی: مج1 ج1/341.
3- تفسیر القرطبی: 2/52.

ص: 70

الملائکة معصومون)(1).

وأما الفخر الرازی فإنه بعد أن نقل الروایة عن ابن عباس، قال: (واعلم أنَّ هذه الروایة فاسدة مردودة غیر مقبولة، لأنه لیس فی کتاب الله ما یدل علی ذلک بل فیه ما یبطلها من وجوه:

الأول: ما تقدَّم من الدلائل الدّالة علی عصمة الملائکة عن کلِّ المعاصی.

وثانیها: أنّ قولهم: إنهما خُیِّرا بین عذاب الدنیا وعذاب الآخرة فاسدٌ بل کان الأولی أنْ یُخیّرا بین التوبة والعذاب، لأنَّ الله تعالی خیَّر مَنْ أشرک به طول عمره، فکیف یبخل علیهما بذلک؟.

وثالثهما: أنَّ من أعجب الأمور قولهم: إنهما یعلمان الناس السحر فی حال کونهما معذَّبین، ویدعوان إلیه وهما یُعاقبان)(2).

ولکنَّ الشیخ البهائی قدس سره ردَّ علی هذه الوجوه - کما نقل عنه العلامة المجلسی - بقوله: (وفی کلٍّ من هذه الوجوه نظر:

أما الأول: فلأنه لم یثبت بقاؤهما علی العصمة بعد أنْ مثلهما الله سبحانه بصورة البشر، ورکَّب فیهما قوتی الشهوة والغضب، وجعلهما


1- تفسیر روح المعانی: مج1 ج1/341.
2- تفسیر الرازی: مج2 ج3/219 – 220.

ص: 71

کسائر بنی آدم کما یظهر من القصة.

وأما الثانی: فلأنَّ التخییر بین التوبة والعذاب وإن کان هو الأصلح بحالهما لکنَّ فعل الأصلح مطلقاً غیر واجب علیه سبحانه علی مذهب هذا المفسِّر، بل فعل الأصلح الذی من هذا القبیل غیر واجب عندنا أیضاً، فإنا لا نوجب علیه سبحانه کل ما هو أصلح بحال العبد - کما ظنه مخالفونا - وشنّعوا علینا بما شنّعوا، بل إنما نوجب علیه سبحانه کلَّ أصلح لو لم یفعلْهُ کان مناقضاً لغرضه کما ذکرته فی الحواشی التی علقتُها علی تفسیر البیضاوی، ولعله (سبحانه) لم یلهمهما التوبة، وأغفلهما عنها لمصلحة لا یعلمها إلا هو، فلا بخلَ منه (سبحانه) علی هذا التقدیر.

وأما الثالث: فلأنَّ التعلیم حال التعذیب غیر ممتنع)(1). کما أنَّ کونهما کانا یعلِّمان حال التعذیب موجود فی روایات العامة، وأما روایة الباقر علیه السلام فیظهر منها أنَّ التعلیم کان قبل التعذیب، والروایة الثانیة المرویة عن أمیر المؤمنین علیه السلام لیس فیها تعرض لهذه النقطة.

وفی النهایة یصل البهائی إلی نتیجة وهی أنّ هذه القصة کما رواها علماء العامة عن ابن عباس فقد رواها علماؤنا عن الإمام أبی جعفر علیه السلام، فالحاصل: (أنّ هذه القصة مرویة من طرقنا وطرق العامة


1- بحار الأنوار: 56/310 – 311.

ص: 72

معاً، ولیس من جملة الحکایات غیر(1) المسندة)(2).

ویظهر من السیوطی أیضاً وهو من علماء العامة المیل إلی تصحیح هذه القصة، فقد نُقِل عنه أنه اعترض علی من أنکرها بأنَّ: (الإمام أحمد وابن حبان والبیهقی وغیرهم رووها مرفوعة وموقوفة علی علی وابن عباس وابن عمر وابن مسعود (رضی الله تعالی عنهم) بأسانید عدیدة صحیحة، یکاد الواقف علیها یقطع بصحتها لکثرة وقوة مخرجیها)(3).

والتحقیق فی المقام أن یقال: إننا حتی لو قبلنا هذه الروایات (التی تؤکد صحة القصة) فقد ذکرنا أن هناک ما یعارضها، ومع التعارض تتساقط الروایات - لو فرضنا تعادل الأسانید فی کلا القسمین - ویبقی الأصل الثابت القطعی الدال علی عصمة الملائکة، ولو تنازلنا ورجحنا هذه الروایات علی الروایات النافیة فالأمر سهلٌ کذلک، إذْ یمکن أنْ نقول: إنَّ هذین الملکین لما نزلا إلی الأرض وأعطاهما الله تعالی ما للبشر من القوی الشهویة والغرائز الحیوانیة - کما یظهر من الروایات - تحوَّلا عن حالة الملکیة، وأصبحا إنسانین، وبهذا یرتفع الإشکال.


1- فی المصدر: الغیر.
2- بحار الأنوار: 56/311.
3- تفسیر روح المعانی: مج1 ج1/341.

ص: 73

وتبقی هنا معرکتنا مع الفلاسفة الذین سیشکلون علینا بعدم إمکان انقلاب الماهیات، ولکننا نجیبهم: بأنَّ قدرة الله تبارک وتعالی عامةٌ وشاملة، ویؤید ذلک المعاجز الصادرة عن المعصومین علیهم السلام.

ثمَّ لو سلمنا بإشکال الفلاسفة، وأنَّ الماهیات یستحیل انقلابها، فقد أشرنا سابقاً إلی أنه هناک مجال لحمل الروایات علی التقیة، أما روایة الإمام الباقر علیه السلام فبقرینة کون السائل فیها من علماء العامة، وأما روایة الإمام الصادق علیه السلام فلأنه نسب حکایة فتنة هاروت وماروت بالزهرة إلی الناس، وهکذا تکون هاتان الروایتان وأمثالهما من الروایات غیر مسوقة لبیان القضیة واقعاً.

ثمَّ لو لم یُسلِّم الخصم بکلِّ هذا وأصرَّ علی صحة الروایات وأنها مسوقة لبیان القضیة واقعاً فإنها لا یمکن أن تنقض عصمة الملائکة؛ لأنها لا تعدو کونها أخباراً آحاداً لا تفیدنا قطعاً، وقد بیّنا أنَّ العصمة ثبتت بالدلیل القطعی.

ص: 74

ص: 75

الفصل الرابع

اشارة

* حملة العرش

— مکانة حملة العرش وعظمة أجسامهم

— عدد حملة العرش وأشکالهم

· الحافون من حول العرش

ص: 76

ص: 77

المحور الأول: حملة العرش

اشارة

یقول سبحانه وتعالی:

(بَلْ عِبَادٌ مُّکْرَمُونَ *  لا یَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ یَعْمَلُونَ)(1).

فماذا تعمل الملائکة؟ وما شغلها؟

یمکن أن نقسم الملائکة إلی فئات أو أصناف متعددة، وأهمها:

1 - حملة العرش.

2 - الحافون من حول العرش.


1- سورة الأنبیاء: الآیتان 26 – 27.

ص: 78

3 - أکابر الملائکة.

4 - الملائکة الموکلة بالناس.

5 - ملکا القبر.

6 - ملائکة الجنة وملائکة النار.

7 - الملائکة التی تحفظ السماء الدنیا.

8 - الملائکة المدبرة لشؤون العالم.

ولنبدأ أولاً بالحدیث عن حملة العرش:

وهم ثمانیة، وقد مرَّت بنا فی باب (کثرة الملائکة) روایة خلق العرش، ومن خلالها یظهر کیف اختار الله تعالی هؤلاء الثمانیة لیحملوا عرشه من بین ذلک الجمع الغفیر والعدد الکثیر الذی لا یعلمه إلا الله تبارک وتعالی، وذلک بعد أن عجزت کل تلک الأعداد الهائلة من الملائکة عن حمله، فحمله هؤلاء الثمانیة بقدرة الله سبحانه بعد أنْ علَّمهم کلمات معینة.

مکانة حملة العرش وعظمة أجسامهم

ویمکن أن ندرک عظمة هؤلاء الملائکة الحملة ومدی قربهم إلیه سبحانه حیث اختارهم دون غیرهم، وحمَّلهم عرشه الذی هو رمز عزّته وجبروته وقدرته سبحانه.

ص: 79

وقد وردت الإشارة إلی حملة العرش فی القرآن الکریم أکثر من مرة: قال سبحانه:

(الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ)(1).

وقال عزّ من قائل:

(وَیَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّکَ فَوْقَهُمْ یَوْمَئِذٍ ثَمَانِیَةٌ)(2).

وتشیر روایة خلق العرش المتقدمة إلی عظمة حملة العرش وضخامة أجسامهم، وقد ورد فی هذا المجال العدید من الروایات. فعن أبی عبد الله علیه السلام:

«إنّ حملةَ العرش ثمانیة، کلّ واحدٍ منهم له ثمانیة أعین، کلّ عین طباقُ الدنیا»(3).

وفی الدر المنثور: أخرج أبو یعلی وابن مردویه بسند صحیح عن أبی هریرة قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«أُذِنَ لی أنْ أحدِّث عن ملک قد مرقت رجلاه الأرض السابعة، والعرشُ علی منکبیه، وهو یقول: سبحانک أین


1- سورة غافر: الآیة 7.
2- سورة الحاقة: الآیة 17.
3- تفسیر البرهان: مج8/104.

ص: 80

کنتَ وأین تکون»(1).

وأخرج أبو داود وجماعة بسندٍ صحیح عن جابر عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، قال:

«أُذِنَ لی أن أحدِّث عن ملک من ملائکة الله من حملة العرش ما بین شحمة أذنه إلی عاتقه مسیرة سبعمائة سنة»(2).

وعن ابن عمر: (حملة العرش ثمانیة ما بین موق أحدهم إلی مؤخر عینیه مسیرة خمسمائة عام)(3).

وعن حبان بن عطیة: (حملة العرش ثمانیة أقدامهم مثبتة فی الأرض السابعة، ورؤوسهم قد جاوزت السماء السابعة، وقرونهم مثل طولهم علیها العرش)(4).

عدد حملة العرش وأشکالهم

وقد ظهر لنا من خلال هذه الروایات أنَّ حملة العرش ثمانیة، إلا أنَّ روایات أخری تشیر إلی أنَّ عددهم الآن أربعة فإذا کان یوم القیامة


1- تفسیر الدر المنثور: مج5/346.
2- م.س.
3- م.س.
4- تفسیر روح المعانی: مج12 ج24/45.

ص: 81

صاروا ثمانیة، ولعل فی الآیة الکریمة التی مرت إشارة إلی هذا المعنی حیث قالت:

(وَیَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّکَ فَوْقَهُمْ یَوْمَئِذٍ ثَمَانِیَةٌ).

أی یوم القیامة، فیمکن أن یکون عددهم الآن أربعة.

وهذه الروایات التی تشیر إلی أنهم أربعة تذکر لهم أشکالاً خاصة ومهمة خاصة، فقد روی مرسلاً عن الصادق علیه السلام قال:

«إنَّ حملة العرش ثمانیة، أحدهم علی صورة ابن آدم یسترزقُ الله لولد آدم، والثانی علی صورة الدیک یسترزقُ الله للطیر، والثالث علی صورة الأسد یسترزقُ الله للسباع، والرابع علی صورة الثور یسترزقُ الله للبهائم،، ونکَّس الثور رأسه منذ عبد بنو إسرائیل العجل، فإذا کان یوم القیامة صاروا ثمانیة»(1).

ومن خلال هذه الروایة یمکن لنا أن نجمع بین الروایات التی تقول إن عددهم أربعة والروایات التی تقول إن عددهم ثمانیة، بأنَّ الروایات التی تذکر عدد (ثمانیة) تشیر إلی ما سیؤولون إلیه فی النهایة، ولا ینافی ذلک أنهم الآن أربعة، والدلیل علی ذلک أنَّ الإمام الصادق علیه السلام - بحسب ما روی عنه هنا - أطلق أنّ عددهم ثمانیة أولاً ثمَّ فصّل المسألة.


1- تفسیر البرهان: مج8/104.

ص: 82

وروی عن وهب: (حملة العرش الیوم أربعة، فإذا کان یوم القیامة أُیِّدوا بأربعة آخرین، ملک منهم فی صورة إنسان یشفع لبنی آدم فی أرزاقهم، وملکٌ منهم فی صورة نسر یشفع للطّیر فی أرزاقهم، وملکٌ منهم فی صورة ثور یشفع للبهائم فی أرزاقهم، وملکٌ فی صورة أسد یشفع للسباع فی أرزاقهم، فلمّا حملوا العرش وقعوا علی رکبهم من عظمة الله تعالی، فلُقِّنوا لا حولَ ولا قوةَ إلا بالله فاستووا قیاماً علی أرجلهم)(1).

وبمناسبة الحدیث عن حملة العرش من الجید أن نشیر إلی حملة الکرسی، حیث روی أنّ له أیضاً ملائکة تحمله، وهم أربعة(2).


1- تفسیر الدر المنثور: مج5/346.
2- بحار الأنوار: 55/133.

ص: 83

المحور الثانی: الحافون من حول العرش

وهم تلک المجموعة الضخمة التی قدرناها بملیارات الملیارات الملیارات من الملائکة، الذین یطوفون حول العرش، والذین تحدثت عنهم روایة خلق العرش.

وهؤلاء فی حالة طواف دائم، یسبحون الله تعالی ویقدسونه ویمجدونه، وقد أشار إلیهم القرآن الکریم بقوله:

(الَّذِینَ یَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَیُؤْمِنُونَ بِهِ وَیَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِینَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ کُلَّ

ص: 84

شَیْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِینَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِیلَکَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِیمِ)(1).

وقال سبحانه:

(وَتَرَی الْمَلائِکَةَ حَافِّینَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ یُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِیَ بَیْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِیلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِینَ)(2).

والعرش یُطلق ویراد به معانٍ متعددة، ولکن المقصود هنا من العرش الذی تطوف حوله الملائکة: ذلک الجسم العظیم الذی خلقه الله سبحانه فوق السماوات السبع، وهو یعبّر عن العظمة الإلهیة والتسلط والعلو الربانی، إذْ هو محل صدور أوامره وأحکامه وتقدیراته سبحانه وتعالی(3).

وهو مربع کالکعبة وکالبیت المعمور الذی فی السماء الرابعة، ویقع فوق الکعبة تماماً(4)، وللبحث عنه حدیثٌ طویل لیس هذا محله.


1- سور غافر: الآیة 7.
2- سورة الزمر: الآیة 75.
3- مأخوذ من بحار الأنوار: 55/37.
4- مأخوذ من روایتین موجودتین فی بحار الأنوار: 96/57 و 55/8.

ص: 85

الفصل الخامس

اشارة

* أکابر الملائکة

* إسرافیل علیه السلام

* جب_رئیل علیه السلام

— مهمة جب_رئیل

* میکائیل علیه السلام

* عزرائیل علیه السلام

— سلطة ملک الموت

— قبض أرواح المؤمنین والکفار

— الموت حق علی کل حی

* الروح علیه السلام

ص: 86

ص: 87

المحور الأول: أکابر الملائکة

من الواضح أنَّ الملائکة علی درجات متفاوتة من ناحیة المکانة والقرب من الله تعالی، ولیسوا سواء، فمنهم المقربون ذوو المکانة العالیة والمنزلة الرفیعة عنده تعالی، ومنهم من هو دون ذلک، یقول (عز وجل) عن لسان الملائکة:

(وَمَا مِنَّا إِلاّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ * وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ)(1).

وفیهم المطیع وفیهم المطاع، لأنّ الله سبحانه قد وصف جبرئیل


1- سورة الصافات: الآیات 164 – 166.

ص: 88

علیه السلام بال_(مطاع) فی قوله تعالی:

(مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِینٍ)(1).

کما أنّ الله تبارک وتعالی جعل فیهم التابع والمتبوع والقائد والمقود، وسیتضح هذا الأمر من خلال الحدیث عن الأصناف القادمة من الملائکة، وکیف أنّ الله تعالی جعل أشخاصاً معینین منهم أمراء علی أعداد کبیرة من عامتهم.

فالتفاوت فی المکانة إذن هو أمر جلی وواضح. ومن هنا نقول: إن هناک مجموعة من الملائکة وهم المعبَّر عنهم ب_(سادة الملائکة)، أو (زعماء الملائکة)، أو (أکابر الملائکة) هؤلاء لهم مکانة خاصة تتفوق علی مکانة غیرهم من الملائکة. ویمکن حصر هؤلاء فی أربعة: وهم إسرافیل، وجبرئیل، ومیکائیل، وعزرائیل (ملک الموت).

فقد روی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنّ الله تبارک وتعالی اختار من کلّ شیء أربعة، اختار من الملائکة جبرئیل، ومیکائیل، وإسرافیل، وملک الموت»(2).


1- سورة التکویر: الآیة 21.
2- بحار الأنوار: 56/250.

ص: 89

وفی روایة أخری - فی أجوبته صلی الله علیه وآله وسلم علی أسئلة ابن سلام - قال:

«جبرئیل، ومیکائیل، وإسرافیل، وهم رؤساء الملائکة، وهم علی وحی رب العالمین»(1).

وفی حدیث عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم عن جبرئیل علیه السلام، قال:

«أکرم الخلق علی الله جبرئیل، ومیکائیل، وإسرافیل، وملک الموت»(2).

وسوف نتحدث عن کل واحد منهم بشیء من التفصیل فی الأبحاث الآتیة.


1- بحار الأنوار: 56/254.
2- تفسیر الدر المنثور: 1/93.

ص: 90

المحور الثانی: إسرافیل علیه السلام

وهو (حاجب الرب وأقرب خلق الله منه) کما ورد فی روایة عن الإمام الباقر علیه السلام عن لسان جبرئیل علیه السلام(1)، وورد فی روایة مرفوعة إلی سلمان الفارسی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أنه:

«سید الملائکة»(2).

ولذلک فهو الذی ینفخ فی الصور مرتین مرة تموت بها الخلائق، والمرة الثانیة تقوم لرب العالمین، قال تعالی:


1- بحار الأنوار: 18/258.
2- بحار الأنوار: 40/47. إلا أنه وردت روایة أخری مشابهة مرفوعة إلی سلمان عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم ذکر فیها أنّ جبرئیل  علیه السلام سید الملائکة، بحار الأنوار: 40/54. وروایة ثالثة فیها تردید من الراوی بینهما. بحار الأنوار: 27/129.

ص: 91

(وَنُفِخَ فِی الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِی السَّمَاوَاتِ وَمَن فِی الأَرْضِ إِلاّ مَن شَاء اللَّهُ(1) ثُمَّ نُفِخَ فِیهِ أُخْرَی فَإِذَا هُم قِیَامٌ یَنظُرُونَ)(2).

وفی دعاء الإمام زین العابدین علیه السلام:

(وَإسْرافِیْلُ صَاحِبُ الصُّوْرِ، الشَّاخِصُ الَّذِی یَنْتَظِرُ مِنْکَ الإِذْنَ وَحُلُولَ الأَمْرِ، فَیُنَبِّهُ بِالنَّفْخَةِ صَرْعی رَهَائِنِ الْقُبُورِ)(3).

والصور هو قرنه ینفخ فیه(4).

وإسرافیل أیضاً هو الذی تظهر أوامر الله تعالی إلی الملائکة من خلاله، حیث إنّ (شاشة) اللوح المحفوظ فی جبهته، فإذا تکلم الله تعالی بالوحی ضرب اللوحُ جبینه، فینظر فیه فیلقی الأوامر إلی الملائکة یسعون بها فی السماوات والأرض لینفذوها.

فعن أبی جعفر علیه السلام:

«قال جبرئیل لرسول الله صلی الله علیه وآله وسلم فی وصف


1- قیل: إن المستثنی هنا هم: (جبرئیل، ومیکائیل، وإسرافیل، وملک الموت). مجمع البیان: مج5 ج24/173، وهذا یؤکد ما ذکرناه من مکانتهم الرفیعة.
2- سورة الزمر: الآیة 68.
3- الصحیفة السجادیة الجامعة: ص 40.
4- کما ذکر العلامة المجلسی v، انظر بحار الأنوار: 56/219.

ص: 92

إسرافیل: هذا حاجب الرب وأقرب خلق الله منه(1)، واللوح بین عینیه من یاقوتة حمراء، فإذا تکلم الرب تبارک وتعالی بالوحی ضرب الوحی جبینه فنظر فیه ثمّ ألقی إلینا نسعی به فی السماوات والأرض، إنه لأدنی خلق الرحمن منه، وبینه وبینه(2) تسعون حجاباً من نور یقطع دونها الأبصار، وما یُعدُّ ولا یوصف وإنی أقرب الخلق منه، وبینی وبینه ألف عام»(3).

ومن طرق العامة عن أنس بن مالک:

(إنّ اللوح المحفوظ الذی ذکره الله تعالی فی جبهة إسرافیل)(4).

وورد فی روایة عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم عن لسان إسرافیل أنه: صاحب الثمانیة حملة العرش(5)، ویُفهم منها أنه المسؤول عنهم ورئیسهم، وإن لم یکن منهم.


1- من الواضح أنه لیس المقصود من القرب هو القرب المکانی، لأن الله تعالی لا یحده مکان، وإنما المقصود القرب من محل صدور الوحی والأوامر الإلهیة.
2- المقصود من قوله (بینه بینه) أی بین إسرافیل ومحل صدور الأوامر الإلهیة – ولیس بینه وبین ذات الله تعالی، لأنّ الله لا یحدّه مکان کما أشرنا آنفاً.
3- بحار الأنوار: 18/258.
4- تفسیر القرطبی: 19/261، وقریب منه فی تفسیر ابن کثیر: 4/497.
5- بحار الأنوار: 16/364.

ص: 93

وأورد الفخر الرازی فی تفسیره روایة فیها ذِکْرُ ملائکةِ اللوح، وذکرت أنهم أشیاع إسرافیل(1)، وبناءً علی هذا یکون أتباع إسرافیل حملة العرش وملائکة اللوح.

روی عن أبی عبد الله علیه السلام أنه قال:

«بینا کان رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جالساً وعنده جبرئیل علیه السلام إذ حانت من جبرئیل نظرة قِبلَ السماء فانتقع لونه حتی صار کأنه کرکم، ثمّ لاذ برسول الله صلی الله علیه وآله وسلم، فنظر رسول الله إلی حیث (نظر)(2) جبرئیل، فإذا شیء قد ملأ ما بین الخافقین مقبلاً حتی کان کقاب من الأرض، ثم قال: یا محمد، إنی رسول الله إلیک أخیّرک أن تکون ملکاً رسولاً أحبّ إلیک أو أن تکون عبداً رسولاً، فالتفت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی جبرئیل وقد رجع إلیه لونه فقال جبرئیل: بل کن عبداً رسولاً، فقال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: بل أکون عبداً رسولاً، فرفع الملک رجله الیمنی فوضعها فی کبد السماء الدنیا، ثمّ رفع الأخری فوضعها فی الثانیة، ثمّ رفع


1- تفسیر الرازی: مج1 ج2/162.
2- هذه الکلمة لیست موجودة فی المصدر، ولکنها زیادة یقتضیها السیاق.

ص: 94

الیمنی فوضعها فی الثالثة، ثمّ هکذا حتی انتهی إلی السماء السابعة بعد کلّ سماء خطوة، وکلما ارتفع صغُرَ حتی صار آخر ذلک مثل الصَّرّ(1)، فالتفت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم إلی جبرئیل علیه السلام فقال: قد رأیتک ذَعِراً وما رأیتُ شیئاً کان أذعر لی من تغیّر لونک، فقال: یا نبی الله لا تلمنی، أتدری من هذا؟ قال: لا، قال: هذا إسرافیل حاجب الرب، ولم ینزل من مکانه منذ خلق الله السماوات والأرض، ولما رأیته منحطّاً ظننتُ أنه جاء بقیام الساعة فکان الذی رأیتَ من تغیّر لونی»(2).


1- الصَّر: ما یُصَرُّ من النقد ویُرسَل إلی الجهات. المنجد ص 420 باب (صرر).
2- بحار الأنوار: 56/250 – 251، وفی الدر المنثور روایة مشابهة نقلها السیوطی بسند حسن کما قال. انظر تفسیر الدر المنثور: 1/91-92.

ص: 95

المحور الثالث: جب_رئیل علیه السلام

اشارة

وجبرئیل علیه السلام هو ملک عظیمٌ مقرّب، من أفضل الملائکة وأعلاها شأناً وأرفعها منزلةً، إن لم یکن أفضلها علی الإطلاق.

فقد وصفه الله تعالی فی کتابه بالأمین حیث قال:

(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِینُ * عَلَی قَلْبِکَ لِتَکُونَ مِنَ الْمُنذِرِینَ)(1).

ووصفه أیضاً بالشدة والقوة:

(عَلَّمَهُ شَدِیدُ الْقُوَی (یعنی جبرئیل علم الرسول صلی الله علیه وآله وسلم)، ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَی * وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَی)(2)


1- سورة الشعراء: الآیتان 193 – 194.
2- سورة النجم: الآیات 5 – 7.

ص: 96

أی إنّ جبرئیل ذو قوة وشدة، واستوی: أی ظهر علی صورته الحقیقیة للنبی صلی الله علیه وآله وسلم وجبرئیل بالأفق الأعلی، حیث ذکروا: أنّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم سأل جبرئیل أن یریه صورته التی خُلِقَ علیها، فأراه نفسه مرتین مرة فی السماء ومرة فی الأرض(1). وروی عن الصادق علیه السلام أنه:

«رأی رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم جبرئیل وله ستمائة جناح علی ساقه الدر مثل القطر علی البقل، قد ملأ ما بین السماء والأرض»(2).

فإذن مکانة جبرئیل هی مکانة متمیزة بین الملائکة، وهو لا یقل عن إسرافیل فضلاً، فقد ورد فی خبر المعراج عن لسان جبرئیل علیه السلام:

«أقرب الخلق إلی الله أنا وإسرافیل»(3).

وورد فی بعض الروایات العامیة التصریح بأنّ جبرئیل أفضل الملائکة، حیث رووا عن ابن عباس عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:


1- نقلته عن مجمع البیان: مج6 ج27/43 بتصرف.
2- تفسیر القمی: 2/206، وورد ما یشبهه فی صحیح البخاری: کتاب بدء الخلق: 3/1181 – ح3060، حیث جاء فیه أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم رأی جبرئیل وله ستمائة جناح.
3- بحار الأنوار: 56/249.

ص: 97

«أفضل الملائکة جبرئیل»(1).

وعن موسی بن أبی عائشة:

(بلغنی أنّ جبریل إمام أهل السماء)(2).

ویمکن أن یُستدل علی أفضلیته وسیادته للملائکة بقوله تعالی فی شأن هذا الملک العظیم:

(إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ کَرِیمٍ * ذِی قُوَّةٍ عِندَ ذِی الْعَرْشِ مَکِینٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِینٍ)(3).

فإنّ کونه مطاعاً فی أهل السماوات یدل علی أفضلیته علیهم، إلا أن یُقال: إنه لم تثبت من الآیة إطاعة جمیع أهل السماوات له، فلعله مطاع فی جنوده فقط، وقد أورد الرازی فی تفسیره روایةً تُصرح بأنَّ لجبرئیل جنوداً من الملائکة(4).

وعلی کل حال فإنَّ ما ساقه القرآن الکریم من الثناء علی جبرئیل علیه السلام، وما خصه به من الآیات التی جاءت للحدیث عنه وحده دون بقیة الملائکة یدل بوضوح علی رفعة منزلته وسمو مقامه عند الله تبارک وتعالی.


1- بحار الأنوار: 56/258.
2- تفسیر الدر المنثور: 1/92.
3- سورة التکویر: الآیات 19 – 21.
4- تفسیر الرازی: 1/162.

ص: 98

وفی الدر المنثور عن معاویة بن قرة قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لجبرئیل:

«ما أحسن ما أثنی علیک ربک!

(ذِی قُوَّةٍ عِندَ ذِی الْعَرْشِ مَکِینٍ * (مُطَاعٍ)(1) ثَمَّ أَمِینٍ).

فما کانت قوتک، وما کانت أمانتک؟ قال: أما قوتی فإنی بُعِثتُ إلی مدائن لوط، وهی أربع مدائن، وفی کل مدینة أربعمائة ألف مقاتل سوی الذراری، فحملْتُهم من الأرض السفلی حتی سمع أهل السماء أصوات الدجاج ونباح الکلاب، ثمّ هویتُ بهم فقتلتهم، وأما أمانتی فلم أؤمر بشیءٍ فعدوتُهُ إلی غیره»(2).

وأطلق علی جبرئیل فی القرآن الکریم الروح، وروح القدس، قال تعالی:

(فَأَرْسَلْنَا إِلَیْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِیًّا)(3).

وقال - عزَّ من قائل -:


1- کلمة (مطاع) ساقطة من الأصل.
2- تفسیر الدر المنثور: 6/321.
3- سورة مریم: الآیة 17.

ص: 99

(نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِینُ)(1).

وقال سبحانه:

(وَآتَیْنَا عِیسَی ابْنَ مَرْیَمَ الْبَیِّنَاتِ وَأَیَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)(2).

فعن الإمام العسکری (صلوات الله علیه) أنه: جبرئیل علیه السلام(3)، وقال تعالی:

(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّکَ بِالْحَقِّ لِیُثَبِّتَ الَّذِینَ آمَنُواْ)(4).

کذلک ورد عن أبی جعفر (صلوات الله علیه) أنّ المقصود جبرئیل علیه السلام(5).

واختلف فی سبب هذه التسمیة علی وجوه:

أحدها: أنه سمی روحاً لأنه یحیی بما یأتی به من البینات الأدیان کما تحیا بالأرواح الأبدان.

وثانیها: أنه سُمّی بذلک لأن الغالب علیه الروحانیة، وکذلک بقیة الملائکة، وإنما خُصّ بهذا الاسم تشریفاً له.


1- سورة الشعراء: الآیة 193.
2- سورة البقرة: الآیة 87.
3- تفسیر البرهان: 1/271.
4- سورة النحل: الآیة 102.
5- تفسیر البرهان: 4/484.

ص: 100

وثالثها: أنه سُمّیَ به وأُضیفَ إلی القدس لأنه کان بتکوین الله تعالی مباشرة من غیر ولادة من والد(1)، وفی حدیث أبی جعفر علیه السلام أنّ القدس: الطاهر(2).

مهمة جب_رئیل علیه السلام

وأما وظیفة جبرئیل فهی النزول بالوحی من الله تعالی إلی الأنبیاء، وقد ورد فی أکثر من روایة أنه یأخذ من میکائیل الذی یأخذ من إسرافیل، وإسرافیل یأخذ من اللوح، واللوح یأخذ من القلم(3)، والقلم یأخذ من الله عز وجل.

وله وظیفة أخری وهی النزول بالعذاب علی بعض الأمم المتمردة وإهلاکها، ففی روایة عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم عن جبرئیل علیه السلام:

«فأما جبرئیل فصاحب الحرب وصاحب المرسلین»(4).


1- مجمع البیان: مج1 ج1/349 بتصرف.
2- تفسیر البرهان: 4/484.
3- بحار الأنوار: 56/253 و 39/264، وتفسیر البرهان: 8/84. وهذا لا ینافی ما ذکر سابقاً من أن إسرافیل یلقی ما یراه فی اللوح إلی الملائکة، إذ من المحتمل أن ذلک فی غیر الوحی المن_زل علی الأنبیاء.
4- تفسیر الدر المنثور: 1/93 – 94.

ص: 101

ولذا فإن جبرئیل هو الذی نزل لإهلاک قوم لوط(1) - کما مر - وکذلک  لإهلاک قوم صالح(2)، وشارک أیضاً فی إهلاک قوم هود(3) (علی نبینا وآله وجمیع من ذکرناهم من الأنبیاء أفضل الصلاة والسلام).

وبسبب هذه المهمة الموکلة إلی جبرئیل علیه السلام - أعنی النزول لإهلاک الأمم العاصیة - فإنّ البعض عدّه عدواً، ورفض أن یقبل برسالة النبی صلی الله علیه وآله وسلم لا لشیء إلا لأنَّ جبرئیل هو الذی ینزل علیه بالوحی من الله تعالی، فقد روی: (أنّ ابن صوریا وجماعة من یهود فدک أتوا النبی صلی الله علیه وآله وسلم فسألوه عن مسائل فأجابهم، فقال له ابن صوریا: خصلة واحدة إن قلتها آمنت بک واتبعتک، أی ملک یأتیک بما أنزل الله إلیک؟ فقال:

جبرئیل.

قال: ذلک عدونا، وینزل بالقتال والشدّة والحرب، ومیکائیل ینزل بالیُسر والرّخاء فلو کان میکائیل هو الذی یأتیک لآمنا بک)(4).

فعند ذلک نزلت هذه الآیة الکریمة:


1- راجع تفسیر البرهان: 4/131 – 132.
2- م.س: 4/122.
3- م.س: 4/118.
4- تفسیر الرازی: مج2 ج3/194 بتصرف.

ص: 102

(قُلْ مَن کَانَ عَدُوًّا لِّجِبْرِیلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَی قَلْبِکَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَیْنَ یَدَیْهِ وَهُدًی وَبُشْرَی لِلْمُؤْمِنِینَ * مَن کَانَ عَدُوًّا لِّلّهِ وَمَلآئِکَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِیلَ وَمِیکَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْکَافِرِینَ)(1).

فإذن الآیة ترید أن تبیّن أنّ جبریل لم ینزل من عند نفسه ولا أنزله الرسول مثلاً، وإنما نزل بإذن الله وبأمره سبحانه، وأمرُ الله تعالی یجب أن یُطاع ویسلَّم له ولا یُناقَش فیه، وأما کون جبرئیل ینزل بالحرب والشدة والقتال فإنه ینزل بذلک علی من یستحقون من العصاة المردة لا علی المؤمنین، ثُمَّ إنه ینزل بأمر الله ومشیئته، لا بمعزلٍ عنها، ولکنّ هؤلاء بالرغم من علمهم بأنّ هذا الأمر من الله تعالی وبإذنه لم یسلّموا له ولم یقبلوا:

(ذَلِکَ بِأَنَّهُمْ کَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ)(2).

بقی شیء من المناسب أن أذکره هنا وهو عمر جبرئیل، فقد جاء فی روایة أنّ النبی صلی الله علیه وآله وسلم سأله:

«کم عمرک یا جبرئیل؟ فقال: یا رسول الله یطلع نجمٌ من


1- سورة البقرة: الآیة 97 – 98.
2- سورة محمد صلی الله علیه وآله وسلم: الآیة 9.

ص: 103

العرش کل ثلاثین ألف سنة مرة، وقد شاهدته طالعاً ثلاثین ألف مرة»(1).

فیکون عمره علیه السلام ذلک الوقت (900.000.000) عام.

ومن طریف ما ورد بالنسبة للملکین العظیمین إسرافیل وجبرئیل ما روی عن أبی ذر رضی الله عنه قال: سمعت رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم یقول:

«افتخر إسرافیل علی جبرئیل فقال: أنا خیرٌ منک. قال: ولِمَ أنتَ خیرٌ منی؟ قال: لأنی صاحب الثمانیة حملة العرش، وأنا صاحب النفخة فی الصور، وأنا أقرب الملائکة إلی الله تعالی. قال جبرئیل علیه السلام: أنا خیرٌ منک. فقال: بِمَ أنتَ خیرٌ منی؟ قال: لأنی أمینُ الله علی وحیه، وأنا رسوله إلی الأنبیاء والمرسلین، وأنا صاحب الخسوف والقذوف، وما أهلک الله أمةً من الأمم إلا علی یدی. فاختصما إلی الله تعالی، فأوحی إلیهما: اسکتا، فوعزّتی وجلالی لقد خلقتُ من هو خیرٌ منکما. قالا: یا رب، أوَ تخلقُ خیراً منا ونحنُ خُلِقنا من نور؟ قال الله تعالی: نعم، وأوحی إلی حجب القدرة: انکشفی.


1- سلونی قبل أن تفقدونی: 1/45.

ص: 104

فانکشفت، فإذا علی ساق العرش الأیمن مکتوب: لا إله إلا الله، محمد وعلی وفاطمة والحسن والحسین خیر خلق الله. فقال جبرئیل: یا رب، فإنی أسألک بحقهم إلا جعلتنی خادمهم، قال الله تعالی: قد جعلت. فجبرئیل من أهل البیت، وإنه لخادمنا»(1).


1- بحار الأنوار: 16/364 – 365.

ص: 105

المحور الرابع: میکائیل علیه السلام

قال العلامة المجلسی قدس سره: (هو من عظماء الملائکة، وروی أنه رئیس الملائکة الموکلین بأرزاق الخلق، کملائکة السُّحب والرُّعود والبروق والریاح والأمطار وغیر ذلک)(1).

وفی الحدیث المروی عن لسان جبرئیل علیه السلام:

«وأما میکائیل فصاحب کلّ قطرة تسقط، وکل ورقة تنبت وکل ورقة تسقط»(2).

وفی روایة أخری سأل النبی صلی الله علیه وآله وسلم جبرئیل علیه السلام:

«علی أی شیء میکائیل؟ قال: علی النبات والقطر»(3).


1- بحار الأنوار: 56/221.
2- تفسیر الدر المنثور: 1/94.
3- تفسیر الدر المنثور: 1/92.

ص: 106

المحور الخامس: عزرائیل علیه السلام

اشارة

وهو ملک الموت الذی کلفه الله سبحانه بقبض الأرواح، قال تعالی:

(قُلْ یَتَوَفَّاکُم مَّلَکُ الْمَوْتِ الَّذِی وُکِّلَ بِکُمْ ثُمَّ إِلَی رَبِّکُمْ تُرْجَعُونَ)(1).

ولا شک أنَّ الله سبحانه هو المتصرّف الحقیقی فی الکون، وأنه لا یحتاج إلی أحد یعینه علی إدارة شؤونه المختلفة وتدبیرها، إلا أن أرادته شاءت وحکمته اقتضت أن یجعلَ له جنوداً یقومون بالتدبیر بأمره، وذلک إظهاراً لعظمته، وتبییناً لقدرته، لیس عجزاً منه - حاشاه - وهو الغنی،


1- سورة السجدة: الآیة 11.

ص: 107

ولکنه تعالی کما جعل عرشاً وکرسیاً ولوحاً وقلماً فإنه جعل ملائکة، فالملائکة وسائط یحقق الله تعالی بعضَ إرادته من خلالها، هکذا شاء الله، وهکذا اقتضت حکمته، اقتضت أن یجعل الوحی بید جبرئیل ویُنزله من خلاله علی أنبیائه، واقتضت أن یجعل الرزق بید میکائیل، وأن یجعل قبض الأرواح بید عزرائیل، فهل معنی هذا أن الله تعالی یحتاج إلی هؤلاء أو أنَّ هؤلاء یتصرّفون بمعزل عنه سبحانه؟!.. أبداً، فالله تعالی هو الذی یوحی وجبرئیل واسطة، والله تعالی هو الذی یرزق ومیکائیل واسطة، والله تعالی هو الذی یقبض الأرواح وعزرائیل واسطة، وکذلک فإن الله تعالی یمکن له أن یوکّل أی مخلوق بما شاء، بأن یعطیه القدرة علی الرزق أو الإماتة أو الإحیاء أو الخلق کما أعطی بعض هذه القدرات لعیسی (علی نبینا وآله وعلیه السلام) بنصّ الکتاب الکریم:

(وَرَسُولاً إِلَی بَنِی إِسْرَائِیلَ أَنِّی قَدْ جِئْتُکُم بِآیَةٍ مِّن رَّبِّکُمْ أَنِّی أَخْلُقُ لَکُم مِّنَ الطِّینِ کَهَیْئَةِ الطَّیْرِ فَأَنفُخُ فِیهِ فَیَکُونُ طَیْرًا بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِیءُ الأکْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْیِی الْمَوْتَی بِإِذْنِ اللّهِ)(1).

فملک الموت إذن هو ضابط وجندی من جنود الله تعالی التی لا یعلمها إلا هو، وهو یعمل علی وفق أمره وإرادته لا یخالف قید أنملة.


1- سورة آل عمران: الآیة 49.

ص: 108

وقد جعل الله (سبحانه) تحت سیطرة هذا الملک وإمرته أعداداً کبیرة من الملائکة یساعدونه فی عمله، یقول تعالی:

(حَتَّیَ إِذَا جَاء أَحَدَکُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا)(1).

ویقول عزّ من قائل:

(الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِکَةُ ظَالِمِی أَنفُسِهِمْ)(2).

ویقول سبحانه:

(الَّذِینَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِکَةُ طَیِّبِینَ)(3).

وهذا جواب من یقول: إنه قد یموت فی الساعة الواحدة أعداد کبیرة من الناس فی جمیع الآفاق، فکیف یقبض ملک الموت أرواحهم؟

الجواب: إن ملک الموت له أعوان یبعثهم لیقبضوا الأرواح ثم یقبضها منهم، ثمّ یسلم ما قبضه منهم مع ما یقبضه بنفسه إلی الله تعالی، فیقبض الله سبحانه الأرواح من ملک الموت، إذ هو المتوفی الحقیقی، یقول الله تعالی:

(اللَّهُ یَتَوَفَّی الأَنفُسَ حِینَ مَوْتِهَا)(4)


1- سورة الأنعام: الآیة 61.
2- سورة النحل: الآیة 28.
3- سورة النحل: الآیة 32.
4- سورة الزمر: الآیة 42.

ص: 109

فعن الصادق جعفر بن محمد علیهما السلام:

«إنّ الله تبارک وتعالی جعل لملک الموت أعواناً من الملائکة یقبضون الأرواح بمنزلة صاحب الشرطة له أعوان من الإنس یبعثهم فی حوائجه، فتتوفاهم الملائکة، ویتوفاهم ملک الموت من الملائکة مع ما یقبض هو، ویتوفاها الله عز وجل من ملک الموت»(1).

سلطة ملک الموت

وقد أعطی الله تبارک وتعالی ملک الموت سلطات واسعة، وسهّل له السُّبل، فقد روی عن الصادق علیه السلام فی حدیث له:

«قال ملک الموت: إنّ الدنیا بین یدی کالقصعة بین یدی أحدکم، یتناول منها ما یشاء، والدنیا عندی کالدرهم فی کفّ أحدکم یُقلِّبه کیف شاء»(2).

بل ورد عنه علیه السلام:

«ما من أهل بیت شعر ولا وبر إلا وملک الموت یتصفّحهم فی کلّ یوم خمس مرات»(3).


1- من لا یحضره الفقیه: 1/136- 137.
2- بحار الأنوار: 6/144.
3- بحار الأنوار: 6/143.

ص: 110

وقریب منه ما رواه العامة عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم، أنه قال له ملک الموت:

«واعلم أنّ ما فی الأرض بیت مدر ولا شعر فی بر وبحر إلا وأنا أتصفحهم فی کل یوم خمس مرات»(1).

إذن فملک الموت له زیارات یومیة لکل بیت یتصفّح الناس فیها، وقد روی عن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم أنّ ذلک فی مواقیت الصلاة، قال:

«إنما یتصفحهم فی مواقیت الصلاة، فإن کان ممن یواظب علیها عند مواقیتها لقّنه شهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً رسول الله، ونحّی عنه ملکُ الموت إبلیس»(2).

ویمکن لنا أن نمیّز اللحظة التی یحضر فیها ملک الموت من خلال علامة یذکرها الإمام الباقر علیه السلام - کما روی عنه - حینما سأله جابر عن لحظة ملک الموت، قال:

«أما رأیتَ الناس یکونون جلوساً فتعتریهم السکتة، فما یتکلم منهم أحد، فتلک لحظة ملک الموت حین یلحظهم»(3).


1- تفسیر ابن کثیر: 3/458.
2- بحار الأنوار: 6/170.
3- م.س: 6/144.

ص: 111

إذن ملک الموت قریبٌ منا، وکأنَّ هذه الأحادیث ترید أنْ تُنبِّهنا أن لا نغفل عنه، فهذا الملک لا یزورنا وقت الموت فقط، بل فی کل یوم له زیارات متکررة، فالله سبحانه یرید منا أن نلتفت وننتبه ونراعی هذا الملک ونحترمه ونضع فی حسباننا أنه یمکن فی أیة لحظة أن یقبض أرواحنا.

فإذن ظهر من خلال ما تقدم مدی سیطرة ملک الموت وتسلطه علی أرواح الناس وهذا ما یشیر إلیه القرآن الکریم حینما یقول:

(أَیْنَمَا تَکُونُواْ یُدْرِککُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ کُنتُمْ فِی بُرُوجٍ مُّشَیَّدَةٍ)(1).

فلا أحد یستطیع الهرب من ملک الموت.

ویتحدث لنا أمیر المؤمنین علیه السلام عن جانب آخر من جوانب سلطة ملک الموت، حینما یتحدث عن قبضه لروح الجنین فی بطن أمه، یقول علیه السلام:

«هل تُحِسُّ به إذا دخل منزلاً؟! أم تراهُ إذا توفی أحداً؟! بل کیف یتوفی الجنین فی بطن أمه؟! أیلِجُ علیه من بعض جوارحها؟! أم الروح أجابته بإذن ربها؟! أم هو ساکنٌ معه فی أحشائها؟! کیف یصفُ إلهَهُ من یعجز عن صفةِ


1- سورة النساء: الآیة 78.

ص: 112

مخلوقٍ مثله؟!»(1).

ولما أسری بالنبی صلی الله علیه وآله وسلم إلی السماء روی أنه رأی ملک الموت وبیده لوح من نور لا یلتفت یمیناً ولا شمالاً، فسأل جبریل:

«من هذا یا جبرئیل؟ فقال: هذا ملک الموت مشغولٌ فی قبض الأرواح»(2).

قبض أرواح الکفار والمؤمنین

وملک الموت یستطیع أن یتمظهر بمظاهر مختلفة لمن یرید قبضَ روحه، فقد یظهر بمظهر قبیح مرعب مُخیف، وقد یظهر بمظهر حسن جمیل، فالمسألة ترتبط بمن تُقبض روحه. روی أنَّ إبراهیم الخلیل علیه السلام قال لملک الموت:

(هل تستطیع أن تُرینی صورتک التی تقبض فیها روح الفاجر؟ قال: لا تطیق ذلک، قال: بلی. قال: فأعرِضْ عنی. فأعرَض عنه، فإذا هو برجل أسود، قائم الشعر، منتن الریح، أسود الثیاب، یخرج من فیه ومناخره لهیبُ النار والدخان، فغشیَ علی إبراهیم،


1- نهج البلاغة: 1/221.
2- بحار الأنوار: 6/141.

ص: 113

ثمّ أفاق، فقال: لو لم یلقَ الفاجر عند موته إلا صورة وجهک لکان حسبه)(1).

وفی روایة عن أبی عبد الله علیه السلام قال:

«إن أمیر المؤمنین (صلوات الله علیه) اشتکی عینه، فعاده النبی صلی الله علیه وآله وسلم فإذا هو یصیح، فقال له النبی صلی الله علیه وآله وسلم: أجزعاً أم وجعاً؟ فقال: یا رسول الله، ما وجعتُ وجعاً قطُّ أشدّ منه. فقال: یا علی، إنّ ملک الموت إذا نزل لقبض روح الکافر نزل معه سفود من نار فنزع روحه به فتصیح جهنم. فاستوی علی علیه السلام جالساً فقال: یا رسول الله أعدْ علیَّ حدیثک، فقد أنسانی وجعی ما قلت. ثم قال: هل یصیب ذلک أحداً من أمتک؟ قال: نعم، حاکم جائر، وآکل مال الیتیم ظلماً، وشاهد زور»(2).

ولکن بالنسبة للمؤمن الأمر مختلف تماماً، فإنّ ملک الموت یأتیه بصورة أخری کما جاء عن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم:

«إنّ ملک الموت لیقفُ من المؤمن عند موته موقف العبد


1- بحار الأنوار: 6/143.
2- بحار الأنوار: 6/170.

ص: 114

الذلیل من المولی، فیقوم هو وأصحابه، لا یدنو منه حتی یبدأ بالتسلیم ویبشّره بالجنة»(1).

وتذکر روایة أخری أنّ ملک الموت حینما یأتی المؤمنَ لیقبض روحه یجزع من ذلک، فیقول له ملک الموت:

«یا ولی الله لا تجزع، فوالذی بعث محمداً صلی الله علیه وآله وسلم لأنا أبرُّ وأشفقُ علیک من والد رحیم لو حضرک»(2).

فهکذا یتعامل ملک الموت مع المؤمنین إلا أنه بالرغم من ذلک، فإن نزعَ الروح لیس بالأمر السهل، باعتبار أنّ الروح تعوّدت علی مرافقة البدن، وارتبطت به ارتباطاً قویاً، وأصبح من الصعب علیها أن تفارقه، وعندما یُسأل الصادق علیه السلام: لأی علة إذا خرج الروح من الجسد وَجدَ له مسّاً، وحیثُ رُکِّبت لم یَعلم به؟ یقول:

«لأنه نما علیها البدن»(3).  

أی حصلت العُلقة الوثیقة والانشداد الکبیر بین البدن والروح، ومن هنا تصعب المفارقة بعد تلک الملاصقة الطویلة، فقد وردت روایة


1- بحار الأنوار: 6/167.
2- بحار الأنوار: 6/196.
3- بحار الأنوار: 6/158.

ص: 115

عن أبی جعفر علیه السلام مفادها أنّ جماعة من أنبیاء بنی إسرائیل سألوا الله فی إحیاء میت، فخرج أبیضَ الرأس واللحیة، ینفض رأسَه من التراب فزعاً شاخصاً بصره إلی السماء، فقال لهم: (لقد سکنت فی قبری تسعاً وتسعین سنة، ما ذهب عنی ألم الموت ولا کربه ولا خرج مرارة طعم الموت من حلقی)(1).

فإذن التألم من الموت هو حالة طبیعیة، وکل إنسان یتألم إلا أنه یمکن أن یخفف الله تعالی آلام الموت عن المؤمنین الخُلّص الذین لیس علیهم شیء فی الدنیا یستحقون علیه التشدید عند الموت، وقلیلٌ ما هم، وهذا بحثٌ یطول ولیس هنا محله.

الموت حق علی کل حی

والموت حق علی کل حی، فالله سبحانه قضی علی کل ذی نفس أن یموت حتی الأنبیاء، ومما یُذکر فی هذا المجال عن أمیر المؤمنین علیه السلام:

 «لما أراد الله تبارک وتعالی قبضَ روح إبراهیم علیه السلام أهبطَ ملک الموت، فقال: السلام علیک یا إبراهیم. قال: وعلیک السلام یا ملک الموت، أداعٍ أم ناعٍ؟ قال: بل داعٍ یا إبراهیم، فأجبْ. قال إبراهیم: فهل رأیتَ خلیلاً یُمیتُ خلیله؟


1- بحار الأنوار: 6/171.

ص: 116

قال: فرجع ملک الموت حتی وقف بین یدی الله (جل جلاله): فقال: إلهی قد سمعت ما قال خلیلک إبراهیم، فقال الله عز وجل: یا ملک الموت، اذهب إلیه، وقل له: هل رأیتَ حبیباً یکره لقاء حبیبه؟ إنّ الحبیب یحبُّ لقاء حبیبه»(1).

فالکل إذن یموت، بل حتی ملک الموت، وهو المکلف بالإماتة، فعن رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إذا کان یوم القیامة یقول الله عز وجل لملک الموت: یا ملک الموت، وعزّتی وجلالی، وارتفاعی فی علوی لأذیقنک طعم الموت کما أذقتَ عبادی»(2).

وفی روایة عن الصادق علیه السلام:

«إنه یموت أهل الأرض حتی لا یبقی أحد، ثمّ یموت أهل السماء حتی لا یبقی أحد إلا ملک الموت وحملة العرش وجبرئیل ومیکائیل، قال: فیجیء ملک الموت حتی یقوم بین یدی الله عز وجل فیُقال له: مَنْ بقی؟ وهو أعلم، فیقول: یا رب لم


1- بحار الأنوار: 6/127.
2- بحار الأنوار: 6/144.

ص: 117

یبقَ إلا ملک الموت وحملة العرش وجبرئیل ومیکائیل، فیُقال: قل لجبرئیل ومیکائیل فلیموتا.

فیقول الملائکة(1) عند ذلک: یا رب، رسولاک وأمیناک. فیقول: إنی قد قضیت علی کل نفس فیها الروح الموت، ثم یجیء ملک الموت حتی یقف بین یدی الله عز وجل.

فیُقال له: من بقی؟ وهو أعلم، فیقول: یا رب، لم یبقَ إلا ملک الموت وحملة العرش، فیقول: قل لحملة العرش فلیموتوا. قال: ثم یجیء کئیباً حزیناً لا یرفع طرفه، فیُقال له: مَن بقی؟ فیقول: یا رب لم یبقَ إلا ملک الموت. فیُقال له: مُتْ یا ملک الموت. فیموت، ثم یأخذ الأرض بیمینه والسماوات بیمینه، ویقول: أین الذین کانوا یدعون معی شریکاً، أین الذین کانوا یجعلون معی إلهاً آخر»(2).

إلی هنا ننهی الحدیث عن ملک الموت، وبه ینتهی الحدیث عن أکابر الملائکة، إلا أننی سأضیف إلی هؤلاء الأملاک الأربعة العظماء ملکاً خامساً قلّما یُذکر وهو (الروح).


1- ی_بدو أنَّ المقصود من الملائکة هنا (ملائکة العرش).
2- بحار الأنوار: 6/329.

ص: 118

المحور السادس: الروح علیه السلام

قیل: إنه أعظم ملک من ملائکة الله تعالی(1)،  وهذا الملک هو المشار إلیه بقوله تعالی:

(یَوْمَ یَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِکَةُ صَفًّا لاّ یَتَکَلَّمُونَ إِلاّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا)(2).

فقد نقل صاحب مجمع البیان فی تفسیر هذه الآیة أقوالاً منها عن ابن عباس: (إنّ الروح ملک من الملائکة، ما خلق الله مخلوقاً


1- کما سیأتی عن مجمع البیان: مج6 ج30/15، ویظهر منه أن المقصود العظم الجسمانی.
2- سورة النبأ: الآیة 38.

ص: 119

أعظم منه، فإذا کان یوم القیامة قام وحده صفاً، وکانت الملائکة کلهم صفاً واحداً، فیکون عِظم خلقه مثل صفهم)(1).

وقوله تعالی:

(وَیَسْأَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی وَمَا أُوتِیتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِیلاً)(2).

فقد روی عن علی علیه السلام:

«ملک من الملائکة له سبعون ألف وجه، لکل وجه سبعون ألف لسان یسبّح الله بجمیع ذلک»(3)، وعن ابن عباس: (الروح ملک)(4).

وقوله تعالی:

(تَعْرُجُ الْمَلائِکَةُ وَالرُّوحُ إِلَیْهِ فِی یَوْمٍ کَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِینَ أَلْفَ سَنَةٍ)(5).

وهذا الملک هو الذی أُیِّدَ به نبینا صلی الله علیه وآله وسلم ومن


1- مجمع البیان: مج6 ج30/15.
2- سورة الإسراء: الآیة 85.
3- مجمع البیان: مج4 ج15/93، وقریب منه ما فی تفسیر ابن کثیر: 3/61.
4- تفسیر ابن کثیر: 3/61.
5- سورة المعارج: الآیة 4.

ص: 120

بعده أئمتنا علیهم السلام، فقد ورد عن أمیر المؤمنین علیه السلام فی خطبته المسماة بالقاصعة خلال حدیثه عن الرسول صلی الله علیه وآله وسلم:

«ولقد قرن الله به صلی الله علیه وآله وسلم من لدُن أنْ کان فطیماً أعظم ملک من ملائکته، یسلک به طریقَ المکارم ومحاسن أخلاق العالم لیلَه ونهاره»(1).

وروی عن الصادق علیه السلام بسند صحیح فی قوله تعالی:

(وَیَسْأَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ).

قال:

«هو ملک أعظم من جبرئیل ومیکائیل کان مع رسول صلی الله علیه وآله وسلم وهو مع الأئمةعلیهم السلام»(2).

إلا أنه ورد أیضاً ما یُفهم منه أنّ الروح لیس من جنس الملائکة، وإنما من جنس آخر، روی أن رجلاً أتی أمیر المؤمنین علیه السلام یسأله عن الروح ألیس هو جبرئیل؟ فقال علیه السلام:


1- نهج البلاغة: 2/157.
2- تفسیر البرهان: 4/618.

ص: 121

«جبرئیل من الملائکة، والروح غیر جبرئیل».

ثم لما لم یقتنع هذا السائل استشهد له الإمام علیه السلام بقوله تعالی:

(یُنَزِّلُ الْمَلآئِکَةَ بِالْرُّوحِ)(1).

ثم قال:

«والروح غیر الملائکة»(2).

وعن أبی عبد الله علیه السلام فی قوله تعالی:

(وَیَسْأَلُونَکَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّی).

أنه قال:

«خلقٌ أعظم من جبرئیل ومیکائیل، کان مع رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم وهو مع الأئمة وهو من الملکوت»(3).

ووردت بهذا المعنی عدة روایات.

إلا أنّ الروایة الأخیرة وأشباهها لیست نصاً فی أنّ الروح مغایر


1- سورة النحل: الآیة 2.
2- تفسیر البرهان: 4/617 – 618.
3- تفسیر البرهان: 4/617.

ص: 122

جنساً لجبرئیل ومیکائیل، إذ لم تصرِّح بذلک، وکلمة (خلق) غیر دالة علی تغایر الجنس دلالة قطعیة.

وهذا الروح لم یکن مع غیر نبینا من الأنبیاء کما روی، فعن أبی عبد الله علیه السلام:

«لم یکن مع أحد ممن مضی غیر محمد صلی الله علیه وآله وسلم، وهو مع الأئمة علیهم السلام یسددهم، ولیس کلما طُلِبَ وُجِدَ»(1).

وقد ذکرنا سابقاً أنّ کلمة (الروح) أُطلقت فی القرآن الکریم علی جبرئیل علیه السلام أیضاً، وورد ذکر ملک آخر فی دعاء الإمام زین العابدین علیه السلام یُقال له الروح، وهذا الروح الأخیر هو رئیس ملائکة الحجب، حیث قال علیه السلام:

(وَالرُّوحُ الَّذِی هُوَ عَلَی مَلائِکَةِ الْحُجُبِ، وَالرُّوحُ الَّذِی هُوَ مِنْ أَمْرِکَ)(2)


1- البرهان: 4/617، إلا أنه ورد أنّ الأنبیاء والأئمة مؤیدون بروح القدس، راجع  البحار: 25/54 – 55، فلعله غیر هذا الروح الخاص بالنبی والأئمة من أهل بیته (صلوات الله علیهم أجمعین).
2- الصحیفة السجادیة الجامعة: ص 41.

ص: 123

الفصل السادس

اشارة

* الملائکة الموکلون بالناس

— الملائکة الحفظة

— الملائکة الحافظة (الحارسة)

* ملکا القب_ر

* ملائکة الجنة وملائکة النار

— أولاً: ملائکة الجنة

— ثانیاً: ملائکة النار

* الملائکة الذین یحفظون السماء الدنیا

* الملائکة المدبرة لشؤون العالم

ص: 124

ص: 125

المحور الأول: الملائکة الموکلون بالناس

أولاً: الملائکة الحفظة (الکرام الکاتبون)

وهم الذین یسجّلون الأعمال السیئة والحسنة للإنسان، یقول تعالی:

(وَإِنَّ عَلَیْکُمْ لَحَافِظِینَ * کِرَامًا کَاتِبِینَ * یَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ)(1).

وقال سبحانه:

(وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَیُرْسِلُ عَلَیْکُم حَفَظَةً)(2).


1- سورة الانفطار: الآیات 10 – 12.
2- سورة الأنعام: الآیة 61.

ص: 126

وقیل: إنّ المقصود بهذه الآیة الملائکة الحافظة (الحارسة) للإنسان والتی سیأتی ذکرها، وقیل: المراد ما یشمل الصنفین، (وعن قتادة یحفظون العمل والرزق والأجل)(1)، ویؤید هذا القول الثالث ما ورد فی روایة أبی الجارود عن أبی جعفر الباقر علیه السلام:

«وأما قوله (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَیُرْسِلُ عَلَیْکُم حَفَظَةً)، یعنی الملائکة الذین یحفظونکم، ویضبطون أعمالکم»(2).

ولکل إنسان ملکان یسجلان أعماله وأقواله، قال سبحانه:

(إِذْ یَتَلَقَّی الْمُتَلَقِّیَانِ عَنِ الْیَمِینِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِیدٌ * مَا یَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاّ لَدَیْهِ رَقِیبٌ عَتِیدٌ)(3).

فعن الصادق علیه السلام:

«هما الملکان»(4).

والمقصود علی الیمین قعیدٌ وعلی الشمال قعید، (قیل: عن


1- نقل هذه الأقوال صاحب روح المعانی، انظره: مج4 ج7/175، ذکرتها بتصرف.
2- تفسیر البرهان: 3/39.
3- سورة ق: الآیتان 17 – 18.
4- تفسیر البرهان: 7/287.

ص: 127

الیمین کاتب الحسنات، وعن الشمال کاتب السیئات)(1). قال الآلوسی: (والمشهور أنهما علی الکتفین، وقیل علی الذقن، وقیل فی الفم یمینه ویساره)(2).

وفی الروایة عن أبی جعفر علیه السلام حینما سُئلَ عن الملکین قال:

«ها هنا واحد، وها هنا واحد، یعنی شدقیه»(3).

وقیل: إنهم أربعة أملاک، (ملکان بالنهار، وملکان باللیل)(4)، ولذا ورد عن الإمام الصادق علیه السلام - لما سأله إسحاق بن عمار عن أفضل المواقیت فی صلاة الفجر - أنه قال:

«مع طلوع الفجر، إنَّ الله عز وجل یقول:

(وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ کَانَ مَشْهُودًا)(5).

یعنی صلاة الفجر تشهده ملائکة اللیل وملائکة النهار، فإذا صلی العبد الصبح مع طلوع الفجر أُثبتت له مرتین، أثبتها


1- مجمع البیان: مج6 ج26/107.
2- تفسیر روح المعانی: مج4 ج7/175.
3- تفسیر البرهان: 7/286.
4- مجمع البیان: مج6 ج26/107.
5- سورة الإسراء: الآیة 78.

ص: 128

ملائکة اللیل وملائکة النهار»(1).

وورد فی الروایات أنَّ ملک السیئات لا یکتب السیئة إلی سبع ساعات، فإن استغفر الإنسان قبلها لم یکتب علیه شیء، ففی الروایة أنَّ:

(صاحب الیمین أمیرٌ علی صاحب الشمال، فإذا عمل حسنة کتبها له صاحب الیمین بعشر أمثالها، وإذا عمل سیئة فأراد صاحب الشمال أن یکتبها قال صاحب الیمین: أمسک، فیمسک عنه سبع ساعات، فإن استغفر الله منها لم یکتب علیه شیء، وإن لم یستغفر الله کتب له سیئة واحدة)(2).

وعن الصادق علیه السلام:

«من عملَ سیئة أُجِّلَ فیها سبع ساعات من النهار، فإنْ قال: (أستغفر الله الذی لا إله إلا هو الحی القیوم)، ثلاث مرات لم تکتب له»(3).


1- الکافی: 3/282، وأیضاً فی الاستبصار: 1/275، والتهذیب: 2/37 مع اختلاف یسیر.
2- مجمع البیان: مج6 ج26/107.
3- تفسیر البرهان: 7/288.

ص: 129

ثانیاً: الملائکة الحافظة للإنسان

وهؤلاء غیر الحفظة الذین یسجّلون الأعمال، فهؤلاء وظیفتهم حفظ الإنسان من الأخطار والبلایا، یقول الله تعالی:

(لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ یَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ)(1).

فعن الإمام الباقر علیه السلام:

«بأمر الله، من أن یقع فی رَکِیّ(2) أو یقع علیه حائط أو یصیبه شیء حتی إذا جاء القدر خلّوا بینه وبینه یدفعونه إلی المقادیر، وهما ملکان یحفظانه باللیل وملکان یحفظانه بالنهار یتعاقبانه»(3).

وفی تفسیر ابن کثیر: (قال أبو مجلز: جاء رجلٌ من مراد إلی علی رضی الله عنه وهو یصلی، فقال: احترس، فإنَّ ناساً من مراد یریدون قتلک. فقال:

«إنَّ مع کلِّ رجلٍ ملکین یحفظانه مما لم یُقدَّر، فإذا جاء القدر خلّیا بینه وبینه، إنَّ الأجلَ جُنَّةٌ حصینة»(4).


1- سورة الرعد: الآیة 11.
2- رکِیّ: جمع مفرده رکیَّة، وهی البئر ذات الماء: انظر المنجد فی اللغة والإعلام: ص 278 باب (رکا).
3- تفسیر البرهان: 4/255.
4- تفسیر ابن کثیر: 2/54.

ص: 130

المحور الثانی: ملکا القبر (قعیدا القبر)

وهما اللذان یسألان الإنسان فی القبر عن عقیدته وعمله فی الدنیا، فیسألانه عن ربه وعن نبیه وعن إمامه وعن کتابه وعن عمره کیف قضاه وعن ماله من أین اکتسبه، وفیمَ أنفقه.

وقد وردت فی هذا الباب روایات عدیدة من طرق الإمامیة وغیرهم تدل علی صحة هذه القضیة وکونها حقاً، وهی المعبَّر عنها ب_(مساءلة منکر ونکیر فی القبر).

قال الشیخ المفید قدس سره: (جاءت الآثار الصحیحة عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم أنّ الملائکة تنزل علی المقبورین فتسألهم عن أدیانهم)(1).


1- تصحیح الاعتقاد: ص 77.

ص: 131

فعن علی علیه السلام:

«إنّ العبد إذا أدخلَ حفرته أتاه ملکان اسمهما منکر ونکیر، فأول ما(1) یسألانه عن ربه ثم عن نبیه ثم ولیه فإن أجاب نجا وإن عجز عذّباه. فقال له رجل: ما لمن عرف ربه ونبیه ولم یعرف ولیه؟ فقال: مذبذب لا إلی هؤلاء ولا إلی هؤلاء، (وَمَن یُضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِیلاً)(2)، ذلک لا سبیلَ له»(3).

ومن موعظة لعلی بن الحسین علیهما السلام:

«واقتحم فیه ملکاکَ منکر ونکیر لمساءلتک وشدید امتحانک، ألا وإنَّ أول ما یسألانک عن ربک الذی کنتَ تعبده، وعن نبیک الذی أُرسلَ إلیک، وعن دینک الذی کنت تدین به، وعن کتابک الذی کنتَ تتلوه، وعن إمامک الذی کنتَ تتولاه، ثم عن عمرک فیم أفنیته، ومالک من أین اکتسبته، وفیم أتلفته»(4).


1- فی الأصل: (من) بدل (ما).
2- سورة النساء: الآیة 88.
3- بحار الأنوار: 6/233.
4- م.س: 6/223.

ص: 132

وعن أبی هریرة قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم:

«إذا قُبِرَ المیت، أتاه ملکان أسودان أزرقان، یُقال لأحدهما منکر، والآخر نکیر، فیقولان: ما کنتَ تقول فی هذا الرجل؟ (أی: النبی صلی الله علیه وآله وسلم)، فیقول: ما کان یقول، هو عبد الله ورسوله، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أنّ محمداً عبدهُ ورسوله»(1).

وعن أبی هریرة: «وإنّ المؤمن یجلس فی قبره، فیسأل: من ربک؟ فیقول: ربی الله، ویُسأل: من نبیک؟ فیقول: محمد نبیی، فیُقال: ماذا عن دینک؟ قال: دینی الإسلام، فیُفتَحُ له بابٌ فی قبره»(2).

وفی کیفیة مجیء هذین الملکین، روی عن أبی عبد الله علیه السلام:

«یجیء الملکان منکر ونکیر إلی المیت حینَ یُدفَن، أصواتُهما کالرعد القاصف، وأبصارهما کالبرق الخاطف، یخطان الأرض بأنیابهما»(3).

وعن أبی هریرة: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم لعمر:

«کیف أنت إذا رأیتَ منکراً ونکیراً؟ قال: وما منکر


1- تفسیر الدر المنثور: 4/82، وتفسیر ابن کثیر: 2/534 باختلاف یسیر.
2- تفسیر ابن کثیر: 2/534.
3- الکافی: 3/236.

ص: 133

ونکیر؟ قال: فتّانا القبر، أصواتهما کالرعد القاصف، وأبصارهما کالبرق الخاطف، یطآن فی أشعارهما، ویحفران بأنیابهما، معهما عصا من حدید»(1).

وحین یأتی الملکان إلی المیت یلقیان فیه الروح إلی حقویه، وذلک من أجل سؤاله، فقد روی عن الصادق علیه السلام بالنسبة للمؤمن:

«ویدخل علیه فی قبره ملکا القبر، وهما قعیدا القبر منکر ونکیر، فیلقیان فیه الروح إلی حقویه، فیُقعدانه فیسألانه..»(2).

وکذلک الأمر بالنسبة للکافر کما ورد فی الروایة نفسها.

ولکن ورد فی بعض الأخبار إلی جانب منکر ونکیر ذکر مبشِّر وبشیر، فاللذَانِ یأتیان المؤمن مبشِّر وبشیر واللذانِ یأتیان الکافر منکر ونکیر(3).

فقد جاء عن الإمام زین العابدین علیه السلام فی دعائه فی الصلاة علی حملة العرش والملائکة:

(وَمُنْکَرٍ وَنَکِیرٍ، ومبشِّر وبشیر، وَرُومَانَ فَتَّانِ الْقُبُورِ)(4)


1- تفسیر الدر المنثور: 4/82 – 83.
2- الکافی: 3/239.
3- کما ذکره الشیخ المفید v، نقلت عبارته بتصرف، انظر تصحیح الاعتقاد: ص77.
4- الصحیفة السجادیة الجامعة: ص 42.

ص: 134

ولکن أکثر الروایات أشارت إلی أنّ ملکی القبر اسمهما منکر ونکیر للمؤمن والکافر، وعن ابن عباس قال: (اسم الملکین اللذَینِ یأتیان فی القبر منکر ونکیر)(1).

ولحل الإشکال نقول: لعل منکراً ونکیراً اللذین یأتیان المؤمن أُطلقَ علیهما اسم مبشِّر وبشیر؛ لأنهما یبشِّرانه بالجنة والثواب والرضا من الله سبحانه، ولکن اسمهما الأصلی منکر ونکیر، وبهذا لا تکون منافاة بین التسمیتین، وقد روی عن النبی صلی الله علیه وآله وسلم:

«ألا ومن مات علی حبّ آل محمد بشّره ملک الموت بالجنة ثم منکر ونکیر»(2).

وبمناسبة ذکر هذین الملکین نشیر إلی ملک ثالث مرَّ ذکره قبل قلیل، واسمه رومان، حیث إنه یأتی قبلهما إلی المیت کما ورد فی روایة نقلها العلامة المجلسی عن کتاب زهرة الریاض عن عبد الله بن سلام أنه قال: سألتُ رسول الله عن أول ملک یدخل فی القبر علی المیت قبل نکیر ومنکر، قال صلی الله علیه وآله وسلم:

«یا بن سلام، یدخل علی المیت ملک قبل أن یدخل منکر


1- تفسیر الدر المنثور: 4/82.
2- بحار الأنوار: 27/111 و 23/233.

ص: 135

ونکیر یتلألأ وجهه کالشمس،  اسمه رومان، فیدخلُ علی المیت، فیُدْخِلُ روحَهُ ثمَّ یقعده، فیقول له: اکتب ما عملتَ من حسنة وسیئة. فیقول: بأی شیء أکتب؟ أین قلمی، وأین دواتی؟ فیقول: قلمک إصبعک، ومدادک ریقک، اکتب. فیقول: علی أی شیء أکتبه، ولیس معی صحیفة؟ قال: فیمزِّقُ قطعةً من کفنه، فیقول له: اکتب فیها. فیکتب ما عمل فی الدنیا من حسنة، فإذا بلغ سیئة استحیا منه، فیقول له الملک: یا خاطئ، أفلا کنتَ تستحی من خالقک حیث عملتها فی الدنیا، والآن تستحی منی؟ فیکتب فیها جمیعَ حسناته وسیئاته، ثمَّ یأمرهُ أنْ یطویه ویختمه، فیقول: بأی شیء أختمه ولیس معی خاتم؟ فیقول: اختمها بظفرک، ویعلّقها فی عنقه إلی یوم القیامة، کما قال الله تعالی: (وَکُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِی عُنُقِهِ) الآیة، ثمَّ یدخل بعدَ ذلک منکر ونکیر»(1).

فإذن نستطیع أن نستخلص من هذه الروایة أنَّ وظیفة هذا الملک هی التهیئة لمجیء منکر ونکیر، والمحاسبة علی الأعمال تکون منهما، فهو بمنزلة المعلم الذی یرتب طلابه وینظمهم لکی یلقاهم المدیر ویسألهم.


1- بحار الأنوار: 56/234.

ص: 136

المحور الثالث: ملائکة الجنة وملائکة النار

أولاً: ملائکة الجنة

قال سبحانه:

(وَالمَلاَئِکَةُ یَدْخُلُونَ عَلَیْهِم مِّن کُلِّ بَابٍ * سَلاَمٌ عَلَیْکُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَی الدَّارِ)(1).

وهؤلاء هم الملائکة المسؤولون عن الجنة وهم أعداد کبیرة یتزعمهم رضوان خازن الجنان(2).


1- سورة الرعد: الآیتان 23 – 24.
2- انظر بحار الأنوار: 56/236.

ص: 137

ثانیاً: ملائکة النار

قال تعالی:

(وَمَا أَدْرَاکَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِی وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَیْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ * وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلاّ مَلائِکَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلاّ فِتْنَةً لِّلَّذِینَ کَفَرُوا (إلی أن یقول) وَمَا یَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّکَ إِلاّ هُوَ وَمَا هِیَ إِلاّ ذِکْرَی لِلْبَشَرِ)(1).

زعیمهم مالک خازن النیران(2)، وقد روی أن النبی صلی الله علیه وآله وسلم رآه لیلة المعراج فی سماء الدنیا، یقول صلی الله علیه وآله وسلم فی حدیثه عن معراجه:

«حتی دخلت السماء الدنیا، فما لقینی ملکٌ إلا ضاحکاً مستبشراً حتی لقینی ملک من الملائکة لم أرَ خلقاً أعظم منه، کریه المنظر ظاهر الغضب، فقلت: من هذا یا جبرئیل؟ قال: هذا مالک خازن النار»(3).

وفی مجمع البیان وصفٌ لهؤلاء الملائکة: (مالک ومعه ثمانیة عشر، أعینهم کالبرق الخاطف، وأنیابهم کالصیاصی، یخرج لهب النار من


1- سورة المدثر: الآیات 27 – 31.
2- انظر بحار الأنوار: 56/236.
3- بحار الأنوار: 56/171 – 172.

ص: 138

أفواههم، ما بین منکبی أحدهم مسیرة سنة، تسع کفُّ أحدهم مثل ربیعة ومضر، نُزِعت منهم الرحمة، یرفع أحدهم سبعینَ ألفاً فیرمیهم حیث أراد من جهنم)(1).

وقیل: إنّ هؤلاء التسعة عشر - الذین هم خزنة النار - لهم من الأعوان والجنود ما لا یعلمه إلا الله تعالی(2)، فهم إذن بمنزلة القادة (الضباط) وتحت إمرتهم أعداد کبیرة من الملائکة، وبهذا یُفسَّر قوله تعالی فی الآیة نفسها:

(وَمَا یَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّکَ إِلاّ هُوَ).

أی إنّ عدد الملائکة المسؤولین عن تعذیب أهل النار کبیر جداً لا یعلمه إلا الذی خلقهم.


1- مجمع البیان: مج6 ج29/112.
2- مجمع البیان: مج6 ج29/113 بتصرف.

ص: 139

المحور الرابع: الملائکة الذین یحفظون السماء الدنیا

وزعیمهم إسماعیل، وهو صاحب الخطفة(1)، قال سبحانه:

(إِنَّا زَیَّنَّا السَّمَاء الدُّنْیَا بِزِینَةٍ الْکَوَاکِبِ * وَحِفْظًا مِّن کُلِّ شَیْطَانٍ مَّارِدٍ * لا یَسَّمَّعُونَ إِلَی الْمَلإِ الأَعْلَی وَیُقْذَفُونَ مِن کُلِّ جَانِبٍ * دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ * إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ)(2).

وتحته سبعون ألف ملک، تحتَ کلِّ ملک سبعون ألف ملک(3)، أی عددهم (4900.000.000).


1- کما ورد فی حدیث المعراج، بحار الأنوار: 56/171 بتصرف.
2- سورة الصافات: الآیات 6 – 10.
3- حدیث المعراج، بحار الأنوار: 56/171.

ص: 140

ووظیفة هؤلاء الملائکة أن یمنعوا الشیاطین من استراق السمع لما یجری فی الملأ الأعلی بین الملائکة، فإذا حاول شیطان الاقتراب بأن وثب خلسة (خَطِفَ الْخَطْفَةَ) فإنه یُرمی بشهاب ثاقب، أی نار محرقة مضیئة.

ص: 141

المحور الخامس: الملائکة المدبرة لشؤون العالم

اشارة

لا شک أنَّ کل جزء من أجزاء هذا الکون له ملائکة مسؤولة عن تدبیره وحفظ مسیرته کما أرادها الله تبارک وتعالی، قال سبحانه:

(فَالْمُدَبِّرَاتِ أَمْرًا)(1).

إذْ إنّ الله تعالی کما کلّف بعض ملائکته بأمور تتعلق بالتشریع الإلهی کتسجیل الحسنات والسیئات، وسؤال الموتی والنزول بالوحی، فقد کلّف ملائکةً أخری بأمور لها علاقة بالتکوین، فهذه الملائکة تدبر الکون، وهذا لا ینافی أنَّ الله سبحانه هو المدبر الحقیقی من ورائها، یقول سبحانه:

(أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ)(2)


1- النازعات: الآیة 5.
2- سورة الأعراف: الآیة 54.

ص: 142

ومن هذه الملائکة:

أولاً: ملائکة النباتات

عن أبی جعفر علیه السلام:

«إنَّ لله تبارک وتعالی ملائکة وکّلهم بنبات الأرض من الشجر والنخل، فلیس من شجرة ولا نخلة إلا ومعها من الله عز وجل ملک یحفظها وما کان منها، ولولا أنَّ معها من یمنعها لأکلتها السباع وهوام الأرض إذا کان فیها ثمرتها»(1).

ثانیاً: ملک الرعد

عن ابن عباس قال: (أقبلت یهود إلی النبی صلی الله علیه وآله وسلم فقالوا: یا أبا القاسم، أخبرنا عن الرعد ما هو؟ قال:

ملک من الملائکة موکل بالسحاب، معه مخاریق من نار یسوق بها السحاب حیث شاء الله، فقالوا: فما هذا الصوت الذی نسمع؟ قال: زجره السحاب حتی ینتهی إلی حیث أمر)(2).


1- من لا یحضره الفقیه: 1/32.
2- سنن الترمذی، کتاب تفسیر القرآن، باب من سورة الرعد: 5/294 – ح3117.

ص: 143

وقیل فی قوله:

(فَالزَّاجِرَاتِ زَجْرًا)(1).

(إنها الملائکة الموکلة بالسحاب تزجرها وتسوقها)(2).

وفی قوله سبحانه:

(وَیُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِکَةُ مِنْ خِیفَتِهِ)(3).

إن الرعد هو الملک الذی یسوق السحاب ویزجره بصوته، وهو یسبح الله تعالی ویحمده(4).

ثالثاً: ملک البحار

روی أنَّ رجلاً من أهل الشام سأل أمیر المؤمنین علیه السلام مجموعة من الأسئلة منها سؤال عن المدّ والجزر، ما هما؟ فقال علیه السلام:

«ملک موکّلٌ بالبحار یُقالُ له رومان، فإذا وضع قدمیه فی البحر فاض، وإذا أخرجهما غاض»(5).


1- سورة الصافات: الآیة 2.
2- مجمع البیان: مج5 ج23/47، ونقل أقوالاً أخری فی تفسیر الآیة فراجع.
3- سورة الرعد: الآیة 13.
4- مجمع البیان: مج4 ج13/155، ولمزید من الأقوال فی الآیة یراجع المصدر.
5- بحار الأنوار: 10/76.

ص: 144

رابعاً: ملک الزلازل

عن جمیل عن أبی عبد الله علیه السلام، قال: سألته عن الزلزلة، فقال:

«أخبرنی أبی عن أبیه عن آبائه علیهم السلام، قال: قال رسول الله صلی الله علیه وآله وسلم: إن ذا القرنین لما انتهی إلی السد جاوزه فدخل فی الظلمة فإذا هو بملک قائم طوله خمسمائة ذراع، فقال له الملک: یا ذا القرنین  أما کان خلفک مسلک، فقال له ذو القرنین: ومن أنت؟ قال أنا ملک من ملائکة الرحمن، موکّلٌ بهذا الجبل، ولیس من جبل خلقه الله عز وجل إلا وله عرقٌ إلی هذا الجبل، فإذا أراد الله أن یزلزل مدینة أوحی إلیَّ فزلزلتها»(1).

خامساً: ملائکة الریاح

عن أبی جعفر علیه السلام:

«إنّ لله عز وجل جنوداً من الریح، یعذب بها من عصاه، موکل بکل ریح منهن ملک مطاع.. فأما الریاح الأربع


1- التهذیب: 3/290، ومن لا یحضره الفقیه: 1/542 باختلاف یسیر، رواه عن الصادق  علیه السلام مباشرة.

ص: 145

فإنها أسماء الملائکة: الشمال، والجنوب، والصبا، والدبور، وعلی کل ریح منهن ملک موکل بها»(1).

سادساً: الملکان الخلاقان

ورد عن الإمام الباقر علیه السلام روایة مفادها:

أنَّ لله تعالی ملکین خلاقین یقتحمان بطن المرأة من فمها، ویدخلان الرحم، وفیها الروح القدیمة المنقولة فی أصلاب الرجال وأرحام الأمهات، فینفخان روح الحیاة والبقاء.. ثم یوحی الله إلی الملکین: «اکتبا علیه قضائی وقدری ونافذ أمری»(2).

وقد ورد فی دعاء الإمام زین العابدین علیه السلام فی الصلاة علی حملة العرش والملائکة:

(وَخُزّانِ الْمَطَرِ وَزَوَاجِرِ السَّحَابِ، وَالّذِی بِصَوْتِ زَجْرِهِ یُسْمَعُ زَجَلُ الرُّعُوْدِ، وَإذَا سَبَحَتْ بِهِ حَفِیفَةُ السّحَ_ابِ الْتَمَعَتْ صَوَاعِقُ الْبُرُوقِ. وَمُشَیِّعِیْ الْثَلْجِ وَالْبَرَدِ. وَالْهَابِطِینَ مَعَ قَطْرِ الْمَطَر إَذَا نَزَلَ، وَالْقُوَّامِ عَلَی خَزَائِنِ الرّیَاحِ، وَالمُوَکَّلِینَ بِالْجِبَالِ فَلا تَزُولُ.


1- من لا یحضره الفقیه: 1/545 – 546.
2- بحار الأنوار: 57/344.

ص: 146

وَالَّذِینَ عَرَّفْتَهُمْ مَثَاقِیلَ الْمِیاهِ، وَکَیْلَ مَا تَحْوِیهِ لَوَاعِجُ الأَمْطَارِ وَعَوَالِجُهَا، وَرُسُلِکَ مِنَ الْمَلائِکَةِ إلَی أهْلِ الأَرْضِ بِمَکْرُوهِ مَا یَنْزِلُ مِنَ الْبَلاءِ، وَمَحْبُوبِ الرَّخَاءِ.. وَمَنْ أوْهَمْنَا ذِکْرَهُ، وَلَمْ نَعْلَمْ مَکَانَهُ مِنْکَ، وَبأیِّ أمْرٍ وَکَّلْتَهُ. وَسُکّانِ الْهَوَاءِ وَالأَرْضِ وَالْماءِ)(1).

فهذه هی أهم أصناف الملائکة والتی تحدثت عنها الروایات الإسلامیة الواردة عن أهل البیت علیهم السلام وغیرهم.

وأشارت الروایات إلی أصناف أخری من الملائکة کالکروبیین وهم مجموعة من الخلق الأول، جعلهم الله خلف العرش(2)، وکملک الصلح الذی نصفه من نار ونصفه من ثلج، رآه النبی صلی الله علیه وآله وسلم لیلة المعراج وهو ینادی بصوت رفیع:

(سبحان الذی کفّ حرّ هذه النار فلا تذیب الثلج، وکفّ برد هذا الثلج فلا یطفئ حرّ هذه النار، اللهم یا مؤلف بین الثلج والنار ألِّفْ بین قلوب عبادک المؤمنین)(3)


1- الصحیفة السجادیة الجامعة: ص 42.
2- بحار الأنوار: 56/184.
3- م.س: 56/172.

ص: 147

وکالملکین الموکلین برفع من تواضع ووضع من تکبر(1)، وکالملائکة الموکلة بقبر الحسین علیه السلام(2)، وکالملکین اللذَین یقول أحدهما:

(اللهم أعطِ کلّ منفق خلفاً).

والآخر:

(اللهم أعطِ کلّ ممسکٍ تلفاً)(3).

وغیرهم.


1- م.س: 56/191.
2- سفینة البحار: 8/106.
3- بحار الأنوار: 56/172.

ص: 148

نهایة المطاف

وفی النهایة یمکن لنا أن نلخِّص البحث، ونخلص إلی ما یأتی:

أولاً: الملائکة هی مخلوقات غیبیة، والغیب یُتوصّل إلیه عن طریق الوحی فقط، فلیس للعقل فیه مجال ولا للخرافات والتکهنات.

ثانیاً: إنّ لفظ الملائکة لغویاً یُساوق لفظ الرسل، وهذا ینسجم مع واقع الملائکة بوصفها رسلاً لله تعالی.

ثالثاً: الحدیث عن الملائکة ضروری من أجل الإیمان بها، وإدراک القدرة الإلهیة من خلال التعرف علیها، ولأنّ الملائکة جنود الله تبارک وتعالی.

رابعاً: الملائکة مخلوقات عاقلة عالمة مطیعة خُلِقت من نور، أجسامها أجسام لطیفة.

خامساً: تمتلک الملائکة أجنحة کالطیور، ولها القدرة علی الظهور

ص: 149

بمختلف الأشکال، وقد وقع منها أن تشکلت بشکل الإنسان مرات عدیدة.

سادساً: لا تأکل الملائکة، ولا تشرب، ولا تنکح، ولا تتعب، ولا تسأم، ولا تمرض، ولا تنام(1)، لأنها لیست من ذوات الجسم الکثیف.

سابعاً: الملائکة قادرة مختارة، ولیست مجبرة علی أعمالها، إلا أنها معصومة عن المخالفة.

ثامناً: ما ورد من شبهات حول عصمتها مردود، لأن عصمتها ثبتت بالدلیل القطعی.

تاسعاً: تُصنّف الملائکة إلی أصناف متعددة: أهمها:

حملة العرش، والحافون حول العرش، وأکابر الملائکة (کإسرافیل، وجبرئیل، ومیکائیل، وملک الموت)، والملائکة الموکلة بالناس، وملکا القبر، وملائکة الجنة وملائکة النار، والملائکة الحافظة للسماء الدنیا، والملائکة المدبرة لشؤون العالم.

وبهذا نکون قد انتهینا من بحثنا المختصر حول الملائکة.

أسأل الله تبارک وتعالی أن یتقبله منی خالصاً لوجهه الکریم، وأن یغفر لی ببرکته وللمؤمنین.

والحمد لله رب العالمین، وصلی الله علی سیدنا محمد وعلی آله الطیبین الطاهرین.


1- علی أحد القولین.

ص: 150

ص: 151

المصادر والمراجع

1 - القرآن الکریم.

2 - أوائل المقالات: الشیخ محمد بن محمد بن النعمان (المفید) ت413 ه_، بیروت: دار الکتاب الإسلامی 1403 ه_،1983 م.

3 - بحار الأنوار: الشیخ محمد باقر المجلسی ت 1111 ه_، ط2، بیروت: مؤسسة الوفاء 1403 ه_ - 1983 م.

4 - تصحیح الاعتقاد بصواب الانتقاد: الشیخ محمد بن محمد ابن النعمان (المفید)، بیروت: دار الکتاب الإسلامی، 1403 ه_ -  1983 م.

5 - تفسیر البرهان: السید هاشم البحرانی ت 1107 ه_، بیروت: منشورات مؤسسة الأعلمی 1419 ه_ - 1999 م.

ص: 152

6 - تفسیر البیضاوی: أبو سعید عبد الله بن عمر بن محمد الشیرازی البیضاوی ت 791 ه_، ط1، بیروت: دار الکتب العلمیة 1408 ه_ - 1988 م.

7 - تفسیر تقریب القرآن إلی الأذهان: السید محمد الحسینی الشیرازی، ط1، بیروت: مؤسسة الوفاء، 1400 ه_ - 1980 م.

8 - تفسیر الدر المنثور: الحافظ جلال الدین السیوطی ت 911 ه_، بیروت: الناشر: محمد أمین دمج.

9 - تفسیر روح المعانی: شهاب الدین محمود الآلوسی البغدادی ت 1270 ه_، بیروت: دار إحیاء التراث العربی.

10 - تفسیر الصافی: المولی محسن (الفیض الکاشانی) ت 1091 ه_، ط2، بیروت: مؤسسة الأعلمی، 1402 ه_ - 1982 م.

11 - تفسیر العیاشی: محمد بن مسعود بن عیاش السَّلمی السمرقندی المعروف ب_(العیاشی) ت 320 ه_، طهران: المکتبة العلمیة الإسلامیة.

12 - تفسیر القرآن العظیم: أبو الفداء إسماعیل بن کثیر القرشی الدمشقی ت 744 ه_، بیروت: دار المعرفة، 1388 ه_ - 1966 م.

13 - تفسیر القرطبی: محمد بن أحمد الأنصاری القرطبی ت 671

ص: 153

ه_، ط1، بیروت: دار الکتاب العربی، 1418 ه_ - 1997 م.

14 - تفسیر القمی: علی بن إبراهیم القمی ت 329 ه_، قم: مؤسسة دار الکتاب.

15 - التفسیر الکاشف: الشیخ محمد جواد مغنیة، ط2، بیروت: دار العلم للملایین، 1978 م.

16 - التفسیر الکبیر (المعروف بتفسیر الرازی): للإمام فخر الدین الرازی ت 606 ه_، ط2، طهران: دار الکتب العلمیة.

17 - تفسیر مجمع البیان فی تفسیر القرآن: الشیخ أبو علی الفضل بن الحسن الطبرسی ت 548 ه_، بیروت: دار مکتبة الحیاة.

18 - تفسیر من هدی القرآن: السید محمد تقی المدرسی، إیران: الناشر: مکتب العلامة المدرسی.

19 - تفسیر المیزان: السید محمد حسین الطباطبائی، ط3، بیروت: مؤسسة الأعلمی، 1393 ه_ - 1973 م.

20 - تفسیر نور الثقلین: الشیخ عبد علی بن جمعة العروسی الحویزی ت 1112 ه_، ط1، بیروت: مؤسسة التاریخ العربی، 1422 ه_ - 2001 م.

21 - تهذیب الأحکام: الشیخ محمد بن الحسن الطوسی ت 460

ص: 154

ه_، تحقیق وتعلیق: السید حسن الموسوی الخرسان، ط4، طهران: دار الکتب الإسلامیة.

22 - الجامع الصحیح (سنن الترمذی): أبو عیسی محمد بن عیسی بن سورة ت 297 ه_، المکتبة الإسلامیة للتحقیق، إبراهیم عطوة عوض.

23 - سفینة البحار: المحدث الشیخ عباس القمی ت 1359 ه_، ط1، إیران: دار الأسوة للطباعة والنشر، 1414 ه_.

24 - سلونی قبل أن تفقدونی: الشیخ محمد رضا الحکیمی، ط7، بیروت: منشورات الأعلمی للمطبوعات 1405 ه_ - 1985 م.

25 - شرح نهج البلاغة: عبد الحمید بن أبی الحدید المعتزلی ت 656 ه_، ط2، بیروت: دار إحیاء التراث العربی، 1385 ه_ - 1965 م.

26 - صحیح البخاری: أبو عبد الله محمد بن إسماعیل البخاری الجعفی ت 256 ه_، تحقیق: الدکتور مصطفی البغا.

27 - صحیح مسلم: أبو الحسین مسلم بن الحجاج القشیری النیسابوری ت 261 ه_، ط1، بیروت: مؤسسة عز الدین للطباعة والنشر، 1407 ه_ - 1987 م.

ص: 155

28 - الصحیفة السجادیة الجامعة: للإمام علی بن الحسین علیه السلام، بإشراف السید محمد باقر الأبطحی، تحقیق ونشر: مؤسسة الإمام المهدی علیه السلام، ط1، قم: 1411 ه_.

29 - الکافی: الشیخ محمد بن یعقوب بن إسحاق الکلینی الرازی ت 329 ه_، تعلیق:علی أکبر الغفاری، ط3، بیروت: دار صعب ودار التعارف، 1401 ه_.

30 - لسان العرب: أبو الفضل جمال الدین محمد بن مکرم بن منظور الإفریقی المصری ت 711 ه_، ط: 1405 ه_.

31 - مجمع البحرین: فخر الدین الطریحی ت 1085 ه_، ط2، بیروت: مؤسسة الوفاء، 1403 ه_ - 1983 م.

32 - مسند أحمد بن حنبل: أحمد بن حنبل ت 241 ه_، بیروت: دار صادر.

33 - المعاد: الشیخ محمد تقی فلسفی، ترجمة: عبد الحسین الکاشی، ط1، بیروت: منشورات مؤسسة الأعلمی 1414 ه_ - 1993 م.

34 - مفاتیح الجنان: الشیخ عباس القمی، ط1، بیروت: مؤسسة الفکر الإسلامی 1424 ه_ - 2003 م.

ص: 156

35 - الملائکة (من موسوعة أهل البیت علیهم السلام الکونیة): تألیف وإعداد: عبد الله الفریجی، إشراف الشیخ فاضل الصفار، ط1، بیروت: سحر للطباعة والنشر، 1423 ه_ - 2002 م.

36 - من لا یحضره الفقیه: الشیخ محمد بن علی بن الحسین بن بایویه القمی ت 381 ه_، تصحیح وتعلیق: علی أکبر الغفاری، ط2، قم: مؤسسة النشر الإسلامی.

37 - نهج البلاغة: السید الشریف الرضی ت 406 ه_، شرح: الشیخ محمد عبده، بیروت: دار التعارف للمطبوعات.

ص: 157

 

الفهرس

الإهداء. 5

المقدمة. 8

تمهید.. 13

الغیب والشهود. 13

الفصل الأول

المحور الأول: المعنی اللغوی لکلمة (الملائکة). 19

المحور الثانی: لماذا الحدیث عن الملائکة؟! 21

المحور الثالث: طبیعة الملائکة. 24

ص: 158

الفصل الثانی

المحور الأول: أشکال الملائکة. 31

المحور الثانی: حالات الملائکة. 38

هل الملائکة بنات الله؟! 41

هل تنام الملائکة؟! 41

المحور الثالث: کثرة الملائکة. 45

الفصل الثالث

المحور الأول: عصمة الملائکة. 51

هل الملائکة مجبورة علی أعمالها؟. 54

المحور الثانی: شبهات حول عصمة الملائکة. 58

قضیة هاروت وماروت... 59

ص: 159

الفصل الرابع

المحور الأول: حملة العرش.... 77

مکانة حملة العرش وعظمة أجسامهم.. 78

عدد حملة العرش وأشکالهم.. 80

المحور الثانی: الحافون من حول العرش.... 83

الفصل الخامس

المحور الأول: أکابر الملائکة. 87

المحور الثانی: إسرافیل علیه السلام. 90

المحور الثالث: جب_رئیل علیه السلام. 95

مهمة جب_رئیل علیه السلام. 100

المحور الرابع: میکائیل علیه السلام. 105

المحور الخامس: عزرائیل علیه السلام. 106

سلطة ملک الموت... 109

قبض أرواح الکفار والمؤمنین.. 112

الموت حق علی کل حی.. 115

المحور السادس: الروح علیه السلام. 118

ص: 160

الفصل السادس

المحور الأول: الملائکة الموکلون بالناس.... 125

أولاً: الملائکة الحفظة (الکرام الکاتبون) 125

ثانیاً: الملائکة الحافظة للإنسان. 129

المحور الثانی: ملکا القب_ر (قعیدا القب_ر). 130

المحور الثالث: ملائکة الجنة وملائکة النار. 136

أولاً: ملائکة الجنة. 136

ثانیاً: ملائکة النار. 137

المحور الرابع: الملائکة الذین یحفظون السماء الدنیا 139

المحور الخامس: الملائکة المدبرة لشؤون العالم.. 141

أولاً: ملائکة النباتات... 142

ثانیاً: ملک الرعد. 142

ثالثاً: ملک البحار. 143

رابعاً: ملک الزلازل. 144

خامساً: ملائکة الریاح.. 144

سادساً: الملکان الخلاقان. 145

نهایة المطاف... 148

المصادر والمراجع.. 151

الفهرس.... 157

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.